بعد قيادة السعوديات ل «السيكل» انشغل الإعلام الغربي بعقوبة الشلل الرباعي على سعودي طعن آخر في ظهره وأصابه بالشلل، وقد أوضحت وزارة العدل السعودية بأن القاضي لم يقبل بالعقوبة وقبلت الضحية تعويضا ماديا قدره مليون ريال، وقامت سفارة المملكة في لندن بتوجيه معاتبة قاسية لوسائل الإعلام والمؤسسات الحقوقية في بريطانيا، وتمنت عليها التأكد من مصادرها قبل النشر أو النقل أو الاتهام المجاني، والحكم في أصله صحيح ولكنه لم يكتمل أو يأخذ صفة القطعية، والثابت أن البحث عن السلبيات والأخطاء السعودية كان عادة غربية في المناسبات ومواسم الأزمات، وتحول حاليا إلى ما يشبه الهوس المرضي، ولدرجة أصبحت معها القضايا السعودية الهامشية حاضرة بصورة أكبر في دائرة الجدل السياسي والصحافي الغربي، وبمعدل قضية لكل شهر في المتوسط. هذا التربص أو التصيد إن جاز التعبير لا يتحرك من تلقاء نفسه وبرغبة غربية منفردة، فهناك سعوديون يحرصون على ترجمة وإيصال هذه الأخبار السوداء والمأزومة وتضخيمها لأسباب وغايات مختلفة، وتشترك معهم معظم الدراما التلفزيونية المنتجة بأموال سعودية، وذلك بتركيزها المفرط والمتكرر على العيوب الأخلاقية للمجتمع المحلي، وكأنه مجتمع شيطاني لا يعرف إلا الانحرافات والسلوكيات الشاذة، فقد تابعت مسلسلا سعوديا قبل فترة، ووجدت أنه جمع في عائلة واحدة كل ما يخطر على بال المشاهد من كوابيس وتجاوزات، وربما احتاجت الضرورات الفنية إلى المبالغة في نقل الواقع من باب التشويق والإثارة، إلا أن المبالغة لن تكون مقنعة بدون جرعات معقولة من المواقف الخفيفة والجماليات الموجودة في كل المجتمعات، والأهم هو الإبداع في رسم المسار الدرامي وتثقيف المشاهدين أو تزويدهم بمعلومات مفيدة وجديدة، مثلما يحدث في الدراما الأمريكية مثلا، ولا أدري لماذا لا نستثمر في عناصر تفوق الإنسان العربي أو السعودي ليقترب قليلا من الإنسان الغربي المؤفلم والمتلفز، والذي لا يمثل دائما واقعه على الأرض وقد يستخدم المسلسلات والأفلام لأغراض دعائية وسياسية، أو على الأقل حتى نقنعه بعكس ما يعتقد، بعيدا عن الأساليب الوعظية والمدرسية الجامدة والمباشرة. المملكة تعتبر الدولة رقم واحد في ضبطيات «الكبتاغون» أو ما يعرف شعبيا ب «أبو ملف» وهو عقار منشط يكثر استخدامه وتزدهر سوقه في أيام الاختبارات الفصلية والنهائية لطلاب التعليم العام، والسعوديون على ذمة قائمة صدرت في سنة 2012 من أكسل عشرة شعوب حول العالم، وارتفاع الضبطيات يعني فيما يعني أن الداخل أكثر من المضبوط ويعزز من صدقية قائمة الكسل، وفي السعودية «كود بناء» و «دستور للدواء» وأنظمة كثيرة لا يكون الالتزم بها إلا في حالات نادرة، ووكالة التصنيف العالمية «ستاندرد اند بوز» قالت في الرياض، بأن حصة المواطن السعودي من النفط الأقل مقارنة بدول الخليج، وأن متوسط دخله السنوي يصل إلى 94 ألف ريال سعودي ويحتل المرتبة الرابعة خليجيا، وأرجعت النتيجة غير المتوقعة والمستقرة نسيبا، إلى اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط وعدم تنويعه لمصادر الدخل وارتباط الريال بالدولار، ولو اهتم المهتمون والإعلام الغربي بموضوعات من هذا النوع وناقشوها بتوازن وعقلانية، وتناولوا بعدالة وجهات نظر الجهات والأشخاص أصحاب العلاقة لأمكن تبرير موقفهم أو قبوله، أما الاهتمام بالانحرافات الأخلاقية وبقيادة المرأة للدراجة الهوائية «السيكل» واتفاقية «سيداو» وعقوبة الشلل النصفي غير المنطقية والفبركة في الملفات الأمنية المعقدة، فلا يخدم إلا مصالح فئة قليلة ليس لها وزن أو صوت حقيقي في الشارع، ولا يخاطب بالتأكيد الهموم اليومية للسعوديين والسعوديات.