أدرك جيداً حجم الجهود المبذولة من قبل هيئة السياحة لتحويل البلاد من دولة مغلقة نسبياً إلى دولة سياحية منفتحة على ثقافات العالم، يسافر إليها السواح من جميع أنحاء العالم، لكن في الوقت نفسه لدي انطباع خاص أن النظام العام والمجتمع السعودي لديهما ممانعات متشددة ضد مفاهيم السياحة المدنية، وتحتاج إلى تغيير نوعي من أجل نجاح ثقافة السياحة في الوطن، وأستثني من ذلك مناطق الحج والعمرة والمدينةالمنورة والتي تطورت فيها مفاهيم سياحية خاصة بالحجاج والقادمين إلى العمرة وزيارة مدينة الرسول عليه أفضل الصلوات والتسليم، وقامت على هامشها تجارة وسياحة مدنية يرجع عمرها إلى أكثر من ألف وأربعمائة سنة. باختصار المواطن السعودي مثقل بتقاليد تحمل في ثناياها رؤية دونية للحياة وخوف من الآخر، يعزز تلك النظرة التعاليم الدينية التي تحرم السياحة المدنية في مفهومها الحالي، وتجعل منها مدعاة للاختلاط والسفور وارتكاب المعاصي، ساهمت تلك التعاليم في عسكرة المجتمع بفكر أمني وديني مختلط، ويشكل هذا الإرث والواقع عقبات ضد تفكيك التقاليد المتشددة، ويظهر ذلك في مطاردة المتنزهات والمطاعم وأماكن اللهو والتشديد عليها في الإغلاق أوقات الصلاة الخمسة برغم من أن ذلك ليس من تعاليم الدين الحنيف، والذي يأمر بإغلاق المحلات في وقت صلاة الجمعة، كما أن التضييق الأمني على الحركة المرورية في الشوارع يرفع التوتر بين الناس، ويجعل منهم أشخاصاً قلقين في حياتهم العامة، لذلك تبدو السياحة في بلادي أشبه بغانية منبوذة من المجتمع، ولا تجد قبولاً من عامة الناس. على سبيل المثال ترتبط السياحة في مدينة الرياض بمتنزهات ومقاهي وملاهي ذات مستويات متدنية في النظافة والخدمات، وتقع على أطراف المدينة في جهة واحدة فقط، ولا تحظى بأي اهتمام أو رقابة من قبل الأمانة والبلديات الفرعية ، وتقدم خدمات لا تتوافق مع مفهوم السياحة الحديث، وتُعامل على أنها وكر للمدخنين والخارجين عن الفضيلة في المجتمع، لذلك لم تستحق إلا النفي شرق المدينة، وهو ما أوجد حركة مزدحمة من السيارات في اتجاهها كل مساء، كما أنها لا تخضع لمقاييس متطورة في النظافة والخدمات لأن روادها -حسب مفاهيم المجتمع المتشددة- يستحقون أن يُعاملوا بتلك الصورة المتدنية من الخدمة، بينما في الدول السياحية المتطورة تتوزع المقاهي في مختلف أنحاء المدينة، كما توجد بالقرب من الأحياء والأسواق، وتعد الرئة التي تتنفس من خلالها المدينة، فيجتمع فيها الجيران والأبناء، وتكون بمثابة الأماكن التي تقرب أفكار الناس وتؤلف بين عقولهم، وتقلل من العزلة والانطوائية والوحدانية. من أجل تعزيز مفهوم السياحة في الوطن لابد من احترام وسائل الحضارة المدنية، لأنها الطريق الأمثل لصناعة الحياة المشتركة بين شتى فئات المجتمع، وللوصول إلى تلك الحياة المتآلفة، يجب منح نوع من الحرية النسبية في الحياة العامة، والتخفيف من التوتر الناشئ عن سيطرة فكر أقرب للعسكرة الدينية على عقول الناس، وهو -حسب وجهة نظري- يخالف مفهوم الحرية في الإسلام، ولا يمكن الوصول إلى تلك الدرجة من التسامح والألفة إلا من خلال نشر مفاهيم السياحة المدنية، ومنح الإنسان حق البحث عن السعادة الحميدة في حياته اليومية بدون أن يشعر أنه مطارد من قبل السلطات المتعددة في المجتمع.