قال غازي القصيبي، في مزيج من النصيحة والتحبب والعطف: «يجب أن تكتب مذكراتك. سوف يكون لها توزيع كثير». وافقه الحاضرون، واعترضت. قلت له: ليس هناك الكثير مما يستحق أن يذكر أو يستذكر. قال: الرجال الذين عرفتهم. قلت: سوف تكون إذن مذكراتهم لا مذكراتي. الصحافة تفتح الباب عاليا ووسيعا، لكن يجب ألا نخطئ أو أن نتخدر. مَن مِن هؤلاء السادة كان يمكن أن نقابل لو لم نكن في الصحافة؟ هل لو كنت محاميا أو مهندسا أو مدرسا، سأقابل الملك فيصل بن عبد العزيز وأنا في الثالثة والعشرين؟ هل لو كنت أغنى مهاجر لبناني إلى كندا، سألتقي بهذه الصفة، بيار إليوت ترودو؟ كم شخصية يمكن أن تقابلنا عندما نترك الحياة العامة، وكم شخصية يسعى الصحافي إلى مقابلتها عندما تترك هي الحياة العامة؟ إن هذه مهنة مخادعة جدا إذا تركنا لها أن تمارس علينا خداعها. لقد رأيت صحافيين كثيرين أمضوا العمر يكتبون ماذا قالوا هم للقادة والزعماء. ولم يبق شيء مما كتبوا. كان يمكن أن يبقى لو أنهم نقلوا ما سمعوا وليس ما أسمعوا. وهي مبالغات سقيمة في أي حال. فكل دورك في الحدث يبدأ عند دخول مكتب الرجل المعني وينتهي عند خروجك. طبعا هناك صداقات تنشأ، لكنها قليلة ونادرة، وفي جميع الحالات، يظل «الفريق الأول» في هذه الصداقة، الرجل الأول. أنت ورقة وقلم، يزينهما أحيانا شيء من الأمانة والخلق. وما عدا ذلك اترك لصانعي الأحداث أن يكتبوا مذكراتهم. طلب إليّ الأستاذ فؤاد عبيد، مستشار «صوت لبنان»، أن أشارك في برنامج «سباعيات» الذي يجتذب جمهورا كبيرا منذ ربع قرن. وفيه يتحدث الراوي في سبع حلقات عن تجربته في الحياة. اعتذرت. ألحّ. كررت الاعتذار. وأوضحت له أنني من عشاق البرنامج، ومنه تعرفت إلى أناس كنت أظن أنني أعرفهم منذ عقود. وتعرفت إلى آخرين لولا حلقاتهم السبع لغاب عني أن أمتع النفس بما سمعت، لكنني لا أعتقد أنني واحد منهم. أعتقد أنني سوف أفقد توازني منذ الحلقة الأولى. سوف أتجنب من التفاصيل أكثر مما ينبغي أن أسرد. سوف أخاف على بعض الناس. وسوف أقلل من أهمية البعض الآخر. وسوف تضيع حقائق المرحلة في تدقيق النص وتحريره، بينما السيرة الذاتية خواطر عفوية وبوح وصدق ورسم طبيعي. وإذا لم تكن فيها أشياء معيبة عن شبابنا فهي لا تستحق أن نثق بها، قال جورج أورويل.