سماء غائمة جزئيا تتخللها سحب رعدية بعدد من المناطق    المملكة تجدد إدانتها استهداف إسرائيل ل«الأونروا»    "سلمان للإغاثة" يوزع 1.600 سلة غذائية في إقليم شاري باقرمي بجمهورية تشاد    أمير الرياض يفتتح اليوم منتدى الرياض الاقتصادي    «حزم».. نظام سعودي جديد للتعامل مع التهديدات الجوية والسطحية    «السلطنة» في يومها الوطني.. مسيرة بناء تؤطرها «رؤية 2040»    منطقة العجائب    القصبي يفتتح مؤتمر الجودة في عصر التقنيات المتقدمة    1.7 مليون عقد لسيارات مسجلة بوزارة النقل    9% نموا بصفقات الاستحواذ والاندماج بالشرق الأوسط    وزير الدفاع يستعرض العلاقات الثنائية مع سفير الصين    المملكة ونصرة فلسطين ولبنان    عدوان الاحتلال يواصل حصد الأرواح الفلسطينية    حسابات ال «ثريد»    صبي في ال 14 متهم بإحراق غابات نيوجيرسي    الاحتلال يعيد فصول النازية في غزة    الأخضر يكثف تحضيراته للقاء إندونيسيا في تصفيات المونديال    وزير الإعلام اختتم زيارته لبكين.. السعودية والصين.. شراكة راسخة وتعاون مثمر    الأخضر يرفع استعداده لمواجهة إندونيسيا في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2026    محافظ جدة يستقبل قنصل كازاخستان    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    مع انطلاقة الفصل الثاني.. «التعليم» تشدّد على انضباط المدارس    إحباط 3 محاولات لتهريب 645 ألف حبة محظورة وكميات من «الشبو»    الإجازة ونهايتها بالنسبة للطلاب    قتل 4 من أسرته وهرب.. الأسباب مجهولة !    كل الحب    البوابة السحرية لتكنولوجيا المستقبل    استقبال 127 مشاركة من 41 دولة.. إغلاق التسجيل في ملتقى" الفيديو آرت" الدولي    كونان أوبراين.. يقدم حفل الأوسكار لأول مرة في 2025    يا ليتني لم أقل لها أفٍ أبداً    موافقة خادم الحرمين على استضافة 1000 معتمر من 66 دولة    قلق في بريطانيا: إرهاق.. صداع.. وإسهال.. أعراض فايروس جديد    القاتل الصامت يعيش في مطابخكم.. احذروه    5 أعراض لفطريات الأظافر    هيئة الشورى توافق على تقارير الأداء السنوية لعدد من الجهات الحكومية    الخليج يتغلب على أهلي سداب العماني ويتصدّر مجموعته في "آسيوية اليد"    تبدأ من 35 ريال .. النصر يطرح تذاكر مباراته أمام السد "آسيوياً"    أوربارينا يجهز «سكري القصيم» «محلياً وقارياً»    مكالمة السيتي    «سعود الطبية» تستقبل 750 طفلاً خديجاً    الله عليه أخضر عنيد    أعاصير تضرب المركب الألماني    «القمة غير العادية».. المسار الوضيء    لغز البيتكوين!    المكتشفات الحديثة ما بين التصريح الإعلامي والبحث العلمي    الدرعية.. عاصمة الماضي ومدينة المستقبل !    المملكة تقود المواجهة العالمية لمقاومة مضادات الميكروبات    مجمع الملك سلمان يطلق النسخة الرابعة من «تحدي الإلقاء للأطفال»    شراكة إعلامية سعودية صينية واتفاقيات للتعاون الثنائي    انتظام 30 ألف طالب وطالبة في أكثر من 96 مدرسة تابعة لمكتب التعليم ببيش    خامس أيام كأس نادي الصقور السعودي بحفر الباطن يشهد تنافس وإثارة    وزير الدفاع يلتقي سفير جمهورية الصين الشعبية لدى المملكة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل المندوب الدائم لجمهورية تركيا    محافظ الطائف يلتقي مديرة الحماية الأسرية    اللجنة المشتركة تشيد بتقدم «فيلا الحجر» والشراكة مع جامعة «بانتيون سوربون»    أهم باب للسعادة والتوفيق    بيني وبين زوجي قاب قوسين أو أدنى    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شبح صلاح نصر في السجن وصحافة لبنان تتفرج علينا من بعيد (3)
نشر في الحياة يوم 05 - 09 - 2009

تنشر «الحياة» رسائل مصطفى أمين من سجنه المصري الى شقيقه التوأم علي أمين في لبنان كاشفة وجوهاً من علاقة الصحافي بالسلطة وصراعات أهل المهنة التي تصل أحياناً الى الاستعداء.
24 اكتوبر سنة 1970
أخي العزيزعرفت أخبارك حتى يوم 11 اكتوبر. وأعجبتني اقتراحات لما يجب أن تفعله بلادنا، وهي اقتراحات عظيمة أتمنى لو أخذنا بها. ولكن في دهشة كيف أنك لم تقترح الإفراج عن المعتقلين والعفو عن المسجونين السياسيين. هذا أول ما يجب أن يفكر فيه أي رئيس جديد. ولكن يظهر أن المفكرين ينسون الذين يعيشون في قبور الأموات! الأصوات تطالب بتحسين العلاقات مع المملكة السعودية. ولا أحد يرفع صوته ويطالب بالإفراج عن المسجونين السياسيين! ولقد كنت أتمنى أن يقوم الرئيس عبدالناصر نفسه بهذه الخطوة. وأعتقد أنه لو عاش لأقدم عليها. ولكن الأزمات المتتابعة ومرضه حالت دون التفكير في هذه المسألة. ومن عجبي أن صلاح نصر وشمس بدران اللذين لفقا هذه القضايا في نفس السجن الذي فيه ضحاياهم! ولم يقل أحد كلمة واحدة بأنه ما دام المحققون مجرمين فلا بد أن الضحايا أبرياء!
ان الرئيس أنور السادات وعد الشعب بتنفيذ بيان 30 مارس. وما هو بيان 30 مارس. هو تنفيذ سيادة القانون. ومعنى ذلك أن لا محاكم استثنائية ولا تهم استثنائية ولا أحكام استثنائية. والطبيعي إذا حدث هذا فعلاً أن تعاد محاكمة الذين حوكموا محاكمات استثنائية. وصدرت قوانين خاصة تحرمهم من الطعن في إجراءات التحقيق. تحرمهم من حقوق المواطن العادي من الاستئناف أو الطعن أمام محكمة النقض والإبرام. وقد لا تكون من المصلحة الآن إثارة هذه القضايا وما جرى فيها. ولكن لا أقل من خروج هؤلاء الأبرياء من سجونهم. وإنني أعتقد أن من مصلحة البلد ومن مصلحة الرئيس الجديد أن يبدأ عهده بفتح أبواب السجون والمعتقلات. ولقد تحرك كثيرون من المسجونين السياسيين وكتبوا الى أنور يهنئونه ويطالبوه بالإفراج عن المسجونين السياسيين. أما أنا فلم أفعل شيئاً ولم أطلب شيئاً.
وقد كانت خطتي طوال السنوات الماضية أن لا أتحرك ولا أفتح فمي، وكنت أصدق شعار أن الفجر على الأبواب، ولكن وقد مات الشاهد الوحيد على براءتي. الذي كنت أتمنى أن يتكلم لأنه يعرف انني بريء من هذه التهم الظالمة... الآن فقط أنا مضطر أن أتكلم بعد أن صمت خمس سنوات كاملة وبدأت سنة الصمت السادسة!
لقد كنت أتصور أن الصحافيين العرب سوف يتحركون ليطلبوا الإفراج عني! ولكني أعذرهم فهم مشغولون بتأييد استمرار «العلاقة الخاصة»!
وكنت أتصور أن كل صحافي أجنبي سوف يحضر الى القاهرة، سوف يتحدث عني، وسوف يطالب بالإفراج عني. كنت أتوقع أن تكتب وأنت في كل بلد فيه حرية تطالب بالإفراج عن صحافي من أكبر الصحافيين في العالم أو تطالب له بمحاكمة عادلة محاكمة علنية أمام محكمة عادية. ولكن كبار صحافيي العالم لا يهمهم فيما يبدو زميل لهم مسجون ظلماً بقدر اهتمامهم بالحصول على حديث صحافي!...
وأخشى بأن الطريقة التي تصرفنا بها منذ أول الأمر كانت خطأ. لقد تصورنا إنه إذا صمتنا فسوف تتحرك ضمائر من ظلمونا! وسكتنا... وسكتت الضمائر معنا!
وأعتقد أنك تشعر الآن بأن البيت الذي بنيته من الأماني والتفاؤل قد انهار فجأة في لحظة واحدة. ولكني أرى أن نبدأ من حيث انتهينا. لقد وعد الرئيس جمال عبدالناصر بالإفراج عني. فيجب أن يذهب سعيد الى انور السادات ويبلغه هذا الوعد الذي قطعه الرئيس على نفسه. وقد كان هذا الوعد أمام شاهد. ولا أتصور أن هذا الشاهد سوف يأبى أن يقول ما سمعه من الرئيس أو ينكر شهادته. أما إذا انتظرتم الى الوقت المناسب فلن يجيء الوقت المناسب. إذا كانت هناك وعود فعلاً فيجب أن يعلمها الرئيس الجديد. ويجب أن نعلم رأيه فيه. أما إذا لم تتحركوا فوراً، فسوف نعود الى الحلقة المفرغة... وسوف ندخل في السنة العاشرة من سنوات التفاؤل والفجر الذي على الأبواب!
وإذا كان في هذا الحديث الآن بعض الإحراج، فلا مانع أن توكلوا محامياً يجري وراء هذه المسألة، وتناولوه على أن يتولى هذا العمل. وقد حدث مثل هذا في قضايا مماثلة، ونجحت المساعي، وخرج المسجونون. إنني لا أطلب شيئاً سوى العدل. أطلب أن ينفذ بيان 30 مارس في ما يختص بي. تطبيق هذا البيان معناه أن لا يحاكم مدني أمام محكمة عسكرية. معناه أن أحاكم أمام محكمة جنايات عادية. معناه أن يستطيع المحامي أن يفتح فمه أمام القضاة ولا يهدد بأن يوضع في السجن إذا فتح فمه! لقد قال الدكتور محمد عبدالله المحامي المشهور إنه لو عرضت قضيتي أمام محكمة عادية، القاضي فيها تلميذ في كلية الحقوق، فسوف يصدر على الفور حكماً ببراءتي!
إنني لا أريد أن تربط مسألتي بمسألة الشرق الأوسط! وإذا كانت الأنباء التي لديك أن هذه المسألة سوف تحل في 90 يوماً، فإن خبرتي السياسية تؤكد أنها تحتاج الى سنوات وسنوات! وأرفض أن تربط مسألتي بمسألة إعادة العلاقات مع الولايات المتحدة. فالذين يقولون هذا يريدون أن يثبتوا عليّ تهمة لم يجدوا دليلاً واحداً عليها!
يجب أن تكون لدينا الشجاعة أن نعترف الآن بأننا أخطأنا اختيار الطريق الذي يوصلنا للحصول على حقنا من العدالة. الإصرار على الخطأ هو جريمةّ!
يكفي تجارب الخمس سنوات الماضية. وإذا كنا لا نعترف بالفشل بعد كل هذه السنوات، فكم نحتاج من السنوات لنقتنع أننا كنا ندور حول أنفسنا ونتوهم أننا نتحرك!
إن اعتزازنا بكرامتنا، وإيماننا ببراءتنا، هو الذي جعلنا نقف شبه جادين، مؤملين أن تظهر الحقيقة في يوم من الأيام، نصدق ما نتمنى أن نصدقه، إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين... وأنت وسعيد لدغتما من نفس الجحر مئات المرات ولا تريدون أن تصدقون أنها لدغة ثعبان! ولكن أشعر هنا بالسم!
انني ما زلت آمل أن تصل الى أذن الرئيس الجديد أصوات الأبرياء، وأنين المظلومين. لا أعتقد أن أحداً يستطيع أن يمنع هذه الأصوات أن تصل إليه. أصوات الأطفال الذين حرموا سنوات طويلة من آبائهم. يتامى وهم غير يتامى! أصوات الأمهات المفجوعة وهي ترى أولادها يذوبون وينصهرون ويداسون بالأقدام. أصوات الزوجات أشباه الأرامل، أو أنصاف الأرامل! ان كثيرين من أطفال وزوجات المسجونين السياسيين كتبوا الى الرئيس الجديد خطابات تنزف دماً وتقطر دموعاً عن حالتهم وعذابهم وجهنم التي يعيشون فيها. وأرجو أن تؤدي هذه الحركة الى أن يصل هذا الأنين الى أذن الرئيس الجديد. فإنني لا أشك أنه مؤمن في صميم قلبه بالعدالة والأنصاف. لقد ذاق السجن. عرف الظلم. عاش في قبور الأحياء...
إنني أرى أن الصلوات لا تكفي! الله طلب منا أن نصلي ونعمل في وقت واحد. والحديث عن الفجر جميل جداً. ولكنها عملة لا تصرف داخل الزنزانة!
إنني أعتقد أن الحركة فيها بركة!... أعتقد أن الظروف إذا لم تسمح بأن تأخذ العدالة مجراها، فقد تسمح بالإفراج، وإذا لم تسمح بالإفراج في الوقت الحالي، فهي تسمح بنقلي الى مستشفى...
وإنني لا أوجه لوماً أو عتاباً على الماضي. فإنني أعرف أن على المرء أن يسعى، وليس عليه الوصول الى مبتغاه! ولكن أعتقد أنه يجب أن نعترف الآن، بعد خمس سنوات، إننا كنا نتحرك في فراغ! وأن الشيكات التي في أيدينا أصبحت كلها شيكات بلا رصيد!... ولهذا أريد أن نبدأ مرة أخرى! أريد أن لا نيأس.
إننا لم نجد في أيدينا بعد كل هذه السنين إلا الهواء!
أخشى أن تتصور انني أنفجر بعد صمت دام أكثر من خمس سنوات. ولكن أشعر برغبة أن أكلمك بكل صراحة وقد مرت من السنة السادسة ثلاثة أشهر! لقد زارني هيكل في سجن الاستئناف وأبلغني باسم الرئيس انني لن أدخل السجن. بل قال إنني سأنقل الى مستشفى عبدالله الكاتب أبقى فيها مدة ثم يفرج عني... وبعد ذلك دخلت الى ليمان طرة! وجاءني هيكل في ليمان طرة وقال لي باسم الرئيس أيضاً إنني لن أبقى في الليمان سوى شهر واحد، أنقل بعده الى مستشفى خاص! وجاءني مرة أخرى وقال لي إن الرئيس قرر العفو عني، واختار لي العمل الذي أقوم به، ولكن حدث العدوان، في 5 يونيو، ولهذا لم يفرج عني في 23 يوليو كما كان مقرراً! وجاءني مرة أخرى ليؤكد لي أن مسألة الإفراج عني أصبحت مسألة أسابيع قليلة! وقد مر على هذا الوعد الأخير أكثر من عام أو عامين!
ولم ينفذ أي وعد من هذه الوعود! بل على العكس صدرت الأوامر بحرماني من حق السجين العادي! وانتقل وزير الداخلية خصيصاً الى الليمان لينقل مدير الليمان لأنه سمح لي في الزيارة بجبن روكفور! وحرمت من الصحف الأجنبية التي كنت أقرأها. وحرمت من السجائر التي كنت أدخنها. وحرمت من طعام السكر والتفرش!
وكان آخر الوعود هو وعد سعيد بأن معاملتي سوف تتغير في خلال 24 ساعة! ومضت الأيام، والأسابيع والشهور، والمعاملة تزداد سوءاً!
وأظن أن من حق سيدنا أيوب بعد كل هذا أن يقول إننا كنا نمشي في طريق مفروش بالوعود التي لا تتحقق!
انني آسف أنني أتعبتك معي! ولكن أعتقد أنك سوف تتعب أكثر إذا مضيت تمشي في نفس الطريق الذي سرت فيه خلال السنوات الماضية! ولهذا فإنني أفضل ألف مرة أن أقبل شيكاً بمليم يكون الدفع فيه فوراً، على أن أقبض شيكاً بمليون جنيه بلا تاريخّ
وإذا كنت لا تجد أي فائدة في أن لا تتحرك... فأرجو أن تخبرني... لا تتركني أنبح في الظلام!
إنني لا أطلب شيئاً إلا حق في العدالة...
حقي في محاكمة عادلة!
حقي في بيان 30 مارس!
وإنني أخشى أن نكون نرهق سعيد بأمرنا أكثر مما يجب. فيكفي محاولاته العديدة. ويكفي كل ما فعل من أجلي وإنني سأذكر ما حييت ما رأينا منه من أخوة صادقة نبيلة.
وسوف يحتاج سعيد الى وقت لتكون بينه وبين الرئيس الجديد هذه الصداقة القوية الحميمة، ومع ذلك أعتقد أن الحديث مع الرئيس الجديد الآن سيكون أسهل جداً الحديث معه بعد فترة طويلة.
سلمتني المصلحة هذا الأسبوع خطابك 35 المؤرخ في 7 سبتمبر وخطابك 37 المؤرخ في 20 سبتمبر وخطابك 38 المؤرخ في 27 سبتمبر.
ولقد أعجبتني الفقرات التي لخصتها من كتاب THE SENSOUS WOMAN وأرجو أن ترسل لي هذا الكتاب، وإذا لم تجده في لندن، فيمكن ان تشتريه من بيروت أو من باريس! ولعلك سوف تقول إن اهتمامي بهذا الكتاب دليل على انني متفائل، وأعتقد أن الفجر قريب! والواقع أنني متفائل فعلاً. وأعتقد أن المنطق والمعقول هو أن تشرق الشمس.
وقد سررت كثيراً من اختيار الدكتور فوزي رئيساً للوزارة. وقد أراح هذا الاختيار الناس. وكنت أتوقع أن فوزي سوف يحتفظ بكل الوزراء، برغم أن كثرين توهموا غير ذلك، وقد صدقت وجهة نظر.
وأعتقد أن هيكل أحسن بالاستقالة. وقد كنت ضد دخوله الوزارة. فإنني لا أزال أؤمن أن منصب الصحافي أكبر من منصب الوزير.
وأشكرك كثيراً لإرسالك الألوان فقد وصلت فألف شكر. وكنت طلبت منك بعض فُرش الرسم وذكرت لك أرقامها، فأكون شاكراً لو تذكرت أن ترسلها.
وفي الختام أقبلك وأضمك الى صدري، وأشكرك على خطاباتك الممتعة التي تمكنني من أن أطل منها على العالم، فأرى كل ما يجري فيه. إن هذه الخطابات هي متعة حقيقية...
وقبلاتي الى خيرية وفاطمة وريتا ومنى
والى اللقاء القريب
بإذن الله
الرسالة الرابعة
17 – 10 يوليو سنة 1971
أخي العزيز
بقيت طويلاً أنتظر خطابك المؤرخ في 20 حزيران (يونيو)! كنت أنتظر وبفارغ صبر لأعرف أنك خطوت خطوة استئناف الكتابة التي حدتني عنها في خطاب 13 يونيو وقلت أنها ستتم بعد أسبوع واحد!... ومضت الأيام ولم يصلني الخطاب المنتظر!
ثم سمعت ان الخطاب وصل. وانه اختفى في جيب المدير! وعلمت أن المدير وجد فيه تفصيلات لذيذة، مثيرة عن رحلة كريمة فاتنة المعادي الى لندن. وقد اهتم بهذه المسألة اهتماماً خاصاً. فكان يدور على أصدقائه الكبراء والعظماء ويخرج لهم الخطاب من جيبه ويقرأه لهم، ليثبت لهم انه عليم ببواطن الأمور! وهكذا تأخر ارسال هذا الخطاب الى المصلحة أكثر من أسبوع... ثم فوجئت اليوم بالمدير يأمر أن أطلع على هذا الخطاب مع أن المفروض أن لا أطلع عليه إلا بعد شهر كامل! وقد دهشنا لهذا العطف السامي، الذي لم أتعوده خلال ست سنوات! ولا أظن أن المدير اهتم أن أعرف تفاصيل ما فعلته فاتنة المعادي بالعشرة آلاف جنيه استرليني عملة صعبة التي حولها لها سامي شرف لتنفقها في أسبوعين، وتنفق مثلها وتطلب من رجال السفارة المصرية تسديدها، وقد يدهشك أن تعلم أن جميع ضباط البوليس خصم من بدلهم ثلاث جنيهات شهرياً بسبب الحرب، فكأن كريمة فاتنة المعادي انفقت في نصف شهر ما ينفقه 3300 ضابط بوليس في شهر كامل!
قلت لنفسي أنه لا بد أن هناك حكمة أخرى من حرص المدير على اطلاعي على الخطاب. ووجدت في نهاية الخطاب أنك تقول أنك تتفائل وتؤمن أن شهر يوليو سيحمل لنا أخباراً تسعدنا، وتريح أعصابنا، وتسدل الستار على الآلام الطويلة التي احتملناها، وتطلب مني أن اتفاءل معك وأن أمد لآخر مرة في حبال صبري – وتضع خطاً تحت «آخر مرة» وتطلب مني أن أتأكد أن الفرج الذي طال انتظارنا له أصبح على بعد أسابيع قليلة، ويظهر أن المدير فهم من هذا أن لديك أخباراً مؤكدة أنه سيتم الإفراج عني في شهر حزيران (يوليو)، ولهذا سارع المدير بإبلاغي البشرى! وقد دهشنا من تصرف المدير، فالمفروض أنه مخضوض باشا، ولهذا ذهلت عندما تصرف هذا التصرف الجريء!!...
وقد حدث في الشهر الماضي شيء غريب؟ فبين المسجونين هنا جندي سابق من المخابرات العامة اسمه محمود الحلو. وفوجئت به يطلب مندوباً من المخابرات العامة ليبلغها أنني أنا وبعض زملائي نقوم بطبع منشورات ضد الحكومة! ودهشت أن يختلق هذا المسجون هذه الحكاية التي لا أساس لها من الصحة! وقلت لنفسي لا بد أن عندي «اختلاق أبيل» – على وزن السكس أبيل – فلا يكاد يراني أحد حتى يلفق لي تهمة! وأكثر ما أذهلني أنني لم أسئ الى هذا الشخص، وأسلمت أمري الى الله!
وإذا بالإدارة تحقق في هذا الاتهام الظالم وتكتشف أنه أراد به ابتزاز سجائر من المسجونين، وأراد به أن يلفق قضية متصوراً أن عهد رئيسه السابق صلاح نصر لا يزال مستمراً، إذا اختلق واحد منهم قضية تلقى مكافأة، في الحال! وإذا بالمصلحة تتابع التحقيق، ويتبين لها كذبه فيصدر قرار بنقله من الطابق الرابع الى الطابق الأول الذي يودع فيه المشاغبون؟ كل هذا وأنا لم أتحرك ولم أفتح فمي! وفوجئت بهذا الشاب بعد ذلك بأيام يكتب من تلقاء نفسه اعترافاً بخط يده، ويقدمه لمأمور أول اللجا يقول فيه انه يعترف أنه كذب وأنه لفق عليّ وعلى زملائي تهماً نحن أبرياء منها، وأن الشيطان هو الذي جعله يفعل ما فعل! ويبدأ تحقيق من جديد، ويسأله المحقق ما الذي جعله يعدل عن اتهاماته... فيقول في التحقيق أنه يريد أن ينام. ان ضميره يؤنبه طوال الليل لأنه ظلم أبرياء وافترى عليهم، وأنه اعترف بما فعل لأنه يريد أن ينام!
لم أكن أتصور أن هذا ممكن أن يحدث. لم أتصور أن الله يقف معي كما وقف في هذه الأزمة ويمنع النوم عن رجل لأنه ظلمني! وتمنيت أن يجيء يوم يعترف فيه صلاح نصر وسامي شرف وعلي صبري وشعراوي جمعة مثل هذا الاعتراف كتابة كما اعترف محمود الحلو هذا!
أقشعر بدني وأنا أقرأ فضائح العصابة ومحاسبيها في لندن! اننا في كل يوم نسمع عن فضائح جديدة يشيب من هولها الولدان. وسيجيء يوم تعرف الدنيا حقيقة العصابة التي حكمتنا. ومن الأسف أن صحف دار الصياد تكتفي بالتفرج من بعيد! وقد خسرت الصياد كثيراً بموقفها وبخاصة عندما قالت عن أعضاء العصابة الذين اذلّوا هذا الشعب وداسوا عليه بالأقدام، وحاولوا أن يجعلوه «يلبس الطرح» انهم وطنيون مخلصون! بينما ان الحوادث لم تتردد أن تنشر بعض جرائم هذه العصابة. ويكفي أن الحوادث نشرت أن كل القضايا التي قدمها صلاح نصر ملفقة!
وقد أسفت وحزنت للموقف المذري الذي وقفه سليم اللوزي مع محمود الدرة، وإذا كانت رواية محمود الدرة صحيحة، فهي صفحة سوداء في تاريخ صحافة لبنان.
لقد فرحت جداً بتعيينات مجالس ادارات الصحف، لو كنت أنا الذي اختار أعضاء مجلس ادارة أخبار اليوم لما اخترت أحسن مما عينهم أنور السادات. وقد فرحت جداً بتعيين موسى صبري وعبدالرحمن الشرقاوي، فمعنى تعينهم ان الرئيس راض عن الحملة التي قاما بها من أجل الحرية وضد الإرهاب. وهذا شيء عظيم جداً. وزاد من فرحي أنه جرى في اليوم نفسه انتخاب أعضاء الاتحاد الاشتراكي في أخبار اليوم فإذا بالذين ينتخبهم الناخبون هم جميعاً الذين اختارهم أنا إذا كلفت بالترشيح! اختفت أسماء الأفادين والنصابين والانتهازيين.
وقد أسفت «للتنزيل» الذي حدث لبهاء، والهبوط بأمين رئيس مؤسسة الهلال الى رئيس مؤسسة روز اليوسف. واعتقد أن هذا التنزيل نزل على بهاء نزول الصاعقة وفهمت أنه رفض تولي المنصب الجديد، وتوسط هيكل في تعيينه محرراً في الأهرام. وقد سعدت للقرار الذي صدر بأن المحررين والموظفين ينتخبون اثنين منهم من مجلس الإدارة، وينتخب العمال اثنين منهم. وقد بح صوتي طوال السنوات الماضية من أجل هذا القرار بغير جدوى. وبذلك لا يتغاضى سعد عبدالعليم عن أخطاء الطبع في سبيل الحصول على أصوات العمال! وأرجو أن يوفق أنور الى اختيار رئيس مجلس إدارة صالح لمؤسسة روز اليوسف. ولقد بدأت أتفاءل من مستقبل الصحافة، ومن حذف أسماء الصحافيين من القوائم السوداء عند سفرهم الى الخارج. وكل هذه خطوات طيبة في الطريق الصحيح.
من الغريب أن الناس جميعاً لاحظت ما لاحظت أنت عندما نشرت أخبار اليوم ان الجهاز السري كان يضرب كل شخص يكون موضع ثقة الرئيس عبدالناصر، وأنهم كانوا يكتبون تقارير زائفة ويحورون الشرائط والتسجيلات!
وفي اليوم نفسه الذي علمت به بأخبارك حتى 24 يونيو، عرفت أخبارك حتى يوم 28 يونيو! وقد أسعدني جداً أن أسمع رأيك في الفصول الثلاثة، وأتمنى أن يسعدك الباقي! وقد تتبعت باهتمام الموضوعات الصحافية الممتازة التي تنشر في الديلي ميردر والديلي ميل والسان... وتمنيت أن تعود صحفنا الى الاشتغال بالصحافة! وسرني كثيراً قولك أنك ستكون في بيروت في أوائل يوليو. وأسعدني ما سمعت أن مقابلات أنور السادات وفيصل كانت ممتازة جداً، وأن هناك تجاوباً وانسجاماً بين الاثنين.
وسأبلغ زيزي أنك قمت بتنفيذ كل أوامرها!
وأسعدني قولك في خطابك الأخير أنك متفاءل بأن يوم الفرج أصبح «قريباً جداً».
وانني مهتم بصحتي، ومهتم بأن تستقبلني البنطلونات في الزمالك استقبالاً شعبياً!
انني مثلك أتطلع الى السماء. أتمنى أن يحقق الله كل أخبارك السارة... ان يقترب اليوم الذي أضمك فيه الى صدري، ونمشي معاً فوق السحب من جديد!
لقد كان من أجمل الأخبار التي سمعناها هذا الأسبوع أن الرئيس أمر بالإفراج عن اللواء محمد نجيب رئيس الجمهورية السابق، بعد أن كانت إقامته محددة لمدة 17 سنة! ولم تنشر الصحف الخبر، وإنما نشرت أن اللواء أركان حرب محمد نجيب ذهب الى القصر الجمهوري في القبة وقيد اسمه للشكر – اننا في كل يوم نرى علامات طيبة. الشعب يأمل كثيراً بأنور السادات. الناس كلها تتوقع أنه سيفرج عن المسجونين السياسيين في 23 يوليو. وأتمنى أن يحقق أنور للشعب كل أمانيه وأحلامه.
وفي الختام أضمك الى صدري وأقبلك والى اللقاء القريب بإذن الله.
* صحافي لبناني حفظ الرسائل من مرحلة زمالته لعلي أمين في مؤسسة «دار الصياد» الصحافية في لبنان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.