يعيش بلدنا المبارك في هذه السنوات نقلات كبيرة في ثقافة المواطنين, واتساع أفقهم, وتقبلهم لبعض ما كانوا يعارضونه سابقاً , ومن ذلك الإيمان بأن مهنة المحاماة مهنة سامية, وأن المحامي شريك القاضي في تحقيق العدالة المنشودة , فتفهم رجال الأعمال و المواطنون أهمية المحامي في تنظيم تعاقداتهم, وتمثيلهم في نزاعاتهم, وتقديم استشاراتهم الشرعية والقانونية. فمع صدور المرسوم الملكي رقم م/38 وتاريخ28/7/1422ه بالموافقة على نظام المحاماة, لتنظيم المنتمين لهذه المهنة والحرص على أن يكونوا مؤهلين شرعياً ونظامياً ويملكوا الخبرة الكافية التي تؤهلهم للدفاع عن حقوق الاخرين ومصالحهم والوقوف الى جانب القضاء في المنظومة العدلية. فاتضحت آلية المنتسبين لهذه المهنة, وفتحت لهم أفاقا ومجالات متعددة, وأصبح الإقبال كبيرا على هذه المهنة من قِبل خريجي كليات الشريعة, والكليات القانونية باختلاف مسمياتها... وفي نقاش عارض دار مع بعض زملاء المهنة من خريجي الكليات القانونية في جامعات مختلفة في المملكة العربية السعودية, تم طرح بعض التساؤلات, وشيء من هموم المهنة, وكان السؤال المهني الأكثر حضورا هو عن دراسة نظام المحاماة كمنهج أصيل ومستقل في الجامعات السعودية , وللأسف, فلم تكن ثمّة إجابة! مما دعاني للبحث عن جواب لهذا التساؤل المهم, في ظل التوجه المتزايد لمهنة المحاماة السامية من قبل الخريجين. وقد تمكنت من الاطلاع على الخطط الدراسية لاثنتي عشرة كلية في التخصصات القانونية , في الجامعات الحكومية, فلم أجد كلية تدرس منهجا في المحاماة سوى ((كلية الأنظمة في جامعة أم القرى )) , التي تضمنت خططها الدراسية تدريس مادة المحاماة والاستشارات, حيث يدرس فيها نظام المحاماة, (( مع الأخذ بالعلم حداثة القسم وعدم ثبوت خطته الدراسية )) , في حين أن بقية الكليات لا تدرس هذه المادة! بالرغم من مضى ما يربو عن ثلاث عشرة سنة! أي قبل إنشاء أغلب هذه الكليات بعدة سنوات, وقد تعتذر مجالس بعض الكليات - قديمة النشأة – من صعوبة تغيير الخطط الدراسية, وتعقّد هذه المسألة ! وهنا أتساءل: إن أقلنا اللوم على الكليات التقليدية , فما الذي منع الكليات الحديثة من تخصيص مقرر لهذا النظام المهم لكل محامييّ المستقبل؟ وفي المقابل نجد أن بعض هذه الكليات قد استنسخت خططا لكليات سبقتها في النشأة, تدرس موادا عديمة الفائدة للطلاب, دون أن تكلف نفسها عبء التطوير ومواكبة سوق العمل , وهنا يجب على هذه الجامعات أن تعيد الهيكلة لخططها الدراسية لمنح الطلاب الإلمام بالنظام وألا تتسبب بجهل الطالب الحقوقي بنظام مهنته مما يسئ لها لاحقاً , وفي ضل هذا الخلل نجد أن الطلاب يلجؤون لمراكز التدريب القانونية لأخذ دورات في هذا النظام بمبالغ مرتفعة لا يمكن للطالب دفعها . هنا أتساءل هل كان ذلك بسبب بعد القائمين على هذه الكليات عن احتياجات الطلاب وتأسيسهم لسوق العمل؟ أم أن ذلك ناتج عن عدم إيمانهم بأهمية تدريس هذا النظام للطلاب وعدم جدوى ذلك ؟ هذه بعض التساؤلات والخواطر التي اعتملت في الفؤاد, ودونتها في هذه الأسطر, من خلال الواقع, والمشاهدات الميدانية, والاطلاع على مناهج بعض الجامعات ومخرجاتها. أتمنى أن نرى إجابة لتلك التساؤلات على أرض الواقع...