''في الأفق غبار ودخان'' .. ''قبضة أمنية''.. ''عهد جديد'' .. ''فوضى وانفلات'' .. ''التضييق على الناس''، هذه بعض من الكلمات التي أوردها سلمان العودة في خطابه المفتوح، ولعل كل من قرأه بتمعن وبمنطق توقع أن بلادنا تعيش كارثة حقيقية وأزمة سياسية اجتماعية سترمي بنا للمجهول عمّا قريب، وأن الخطر المحدق يحيط بنا من الجهات الأربع. تخيلت وأنا أقرأ الخطاب أن العودة يتحدث عن بلد آخر لا نعرفه وليس السعودية، ثم تذكرت أنه يبشر مصر بمستقبل زاهٍ وموعود، على الرغم من كل الأزمات التي تعيشها، بينما بلاده المستقرة يحذرها من كارثة قادمة وفتنة تلوح. أما القنبلة النووية التي رماها العودة فكانت في قوله:''مع تصاعد الغضب تفقد الرموز الشرعية والسياسية والاجتماعية قيمتها وتصبح القيادة في يد الشارع''، فهو هنا يتنبأ بأن الفوضى ستعم والشارع قادم للقيادة، وأن بلادنا تعيش مرحلة ما قبل الثورة، كيف لا وهو يؤكد أن ''الثورات إن قمعت تتحول إلى عمل مسلح، وإن تجوهلت تتسع وتمتد'' .. فعن أي ثورة يتحدث سلمان العودة؟ هل يوجّه رسائل ملغمة لأحد ما؟ مَن هم وقود هذه الثورة التي ستشيع الفوضى ويقودها الشارع؟ مشكلة العودة أنه عندما أراد يوماً أن يكون متشدداً حرّض الشباب على الجهاد في أفغانستان فلم يصلح الحال، فانقلب على عقبيه منفتحاً يريد لعب دور الوسطية، فقام يحاضر عن الحب والوئام والعلاقات الاجتماعية، وأيضاً لم يصلح الحال، ثم أتى الدورعلى لبس ثوب الزعيم الإصلاحي الذي يطلق شرارة الثورة، وسيكتشف قريباً أيضاً أنه لن يصلح الحال. ولو بدا أن هناك دوراً جديداً يؤديه غداً أو بعد غد، فلا مانع من ذلك. أليس هو مَن خرج في يوم خطابه نفسه، في مقابلة مع الزميل عبد الله المديفر على شاشة ''روتانا خليجية''، بوجه، ثم بعدها بساعات ظهر بوجه آخر؟! قاتل الله الغرور الذي جعل العودة يكرر كلمة الناس في كثير من المواضع، حتى بدا له أنه فعلاً أصبح زعيماً يتحدث بلسان الناس أجمعين: ف ''الناس قلقون'' و''إذا فقد الناس الثقة بالجهاز الأمني'' و''من الخطر على الناس'' و''الناس لن يسكتوا إلى الأبد'' و''الناس يتساءلون'' و''الناس يحتاجون''.. هكذا نصب نفسه متحدثاً باسم 19 مليون سعودي، يطالب باسمهم ويتحدث نيابة عنهم ويحذر من قيامهم بثورة. خطاب العودة يفضح نفسه بالتناقضات التي تبدأ من أول سطر، غير أن أبرز تناقضاته هو الحديث عن ضرورة إغلاق ملف الموقوفين بحيث لا يبقى منهم إلا مَن ''صدرت ضدهم أحكام شرعية قطعية''، وهذا كلام جميل نتفق معه جميعاً، أما غير الجميل فهو انقلابه على عقبيه سريعاً، ليطالب بالإفراج عن معتقلي ''حسم'' و''إصلاحيي جدة''، فهو هنا يطالب بأحكام قضائية شرعية، وعندما صدرت عاد ليطالب بنقضها والإفراج عن المدانين بها، بالطبع ما هذه سوى خطوة للأمام في اتجاه الطعن في القضاء وفي كل حكم يصدر منه. إنها خطة محكمة ذكية على مراحل .. فقط انتظروا قليلاً وسيتبين لكم الخيط الأبيض من الأسود. خطاب العودة في المجمل لم يحمل جديداً في المضمون، وكثير مما جاء فيه يُقرأ في الصحافة ويُسمع في المجالس، الجديد والمثير والخطير هو ترسيخ عبارات ثورية ومصطلحات مفخخة، إضافة إلى تعبئة عارمة وتجييش ضد رجال الأمن، أما الجميل والمفيد والأكيد أن الأقنعة خُلعت والوجوه كُشفت. دعوهم يعملون بكل وضوح على تحقيق أمانيهم بربيع عربي في السعودية .. هرمنا ونحن نصارع لنعرفهم على حقيقتهم.