تناقلت صحف عربية وعالمية الفتوى التي أطلقها الدكتور «محمود شعبان» الأستاذ في جامعة الأزهر والتي أباح فيها قتل المتظاهرين ضد الرئيس مرسي باعتبارهم خارجين على الدولة وعلى الحاكم المسلم وأنهم مثيرو فتنة!! وقد أحدثت هذه الفتوى أصداء كبيرة واستغلها الكثيرون في الإساءة للإسلام ووصفه ب «دين الإرهاب» وأنها من الفتاوى المحرضة على القتل، بل إن البعض أكد أن مقتل شاكر بلعيد في تونس كان بسبب هذه الفتوى!! ومع أن علماء كثرا أكدوا أن هذه الفتوى لا تمت للإسلام بصلة إلا أن البعض لازال يصر على أنها تمثل جزءا من الفكر الإسلامي الذي يصفونه ب «التطرف» . فوضى الفتاوى ليس جديدا على المجتمع الإسلامي، وهذه الفوضى لها أسباب متعددة، منها السياسي ومنها المادي ومنها النية الطيبة التي لا تجوز في هذه الحالة ولكن هذه الأسباب مجتمعة لا تبرر مطلقا تجرؤ البعض على إطلاق فتاوى لا علاقة لها بفقه الإسلام وقد تسيء إليه وتشوه صورته وصورة أتباعه. أحدهم أراد أن يتقرب إلى الحاكم فأفتى بأنه لا ذنب عليه مهما فعل لأنه ظل الله على الأرض!! وأفتى بائع باذنجان لم يستطع تصريف بضاعته أن الرسول الكريم أوصى بأكله!! وعندما قل المال عند الحجاج أفتى لنفسه بصحة أخذ الجزية على النصارى الذين أسلموا فزعم أنهم لم يسلموا صادقين !! وفي أيامنا هذه انتشرت فوضى الإفتاء، وأصبح الكثيرون يرون في أنفسهم قدرة على الإفتاء مما جعل فتواهم تنعكس سلبا على مجتمعهم ودينهم، فهناك من أفتى بهدم كل الآثار مثل : الأهرام وأبي الهول، ومعبد بوذا في أفغانستان، وما في حكمها بحجة أنها تعبد من دون الله وقد استغل البعض هذه الفتاوى في غزو أفغانستان ومالي كما استغلت في تشويه الإسلام.. بعض هذه الآثار كانت موجودة في عهد عمر بن الخطاب وعمر بن عبدالعزيز ولم يأمرا بهدمها فهل الذين أفتوا بهدمها أكثر منهما إخلاصا لدينهم..!! الآثار جزء من تاريخنا وحضارتنا تجب المحافظة عليها والتوعية وحدها تجعل التعامل معها يتفق مع مبادى الإسلام. أفتى آخرون بصحة زواج المتعة والزواج بنية الطلاق، واجتهد آخرون فأفتوا بجواز الزواج بتسع نساء بدلا من أربع !! وظني أن الشهوة المحرمة كانت وراء هذه الفتاوى التي لا تتفق مع كرامة الإنسان وعدالة الإسلام. وأفتى آخر: أنه لا يصح للبنت أن تختلي مع والدها الشاب لأنه قد يشتهيها !! وإذا كان هذا المفتي قد اعتمد على بعض الحالات الشاذة في فتواه فإن تعميمها مناف للعقل والخلق كما أنه مناف لطبيعة العلاقة التي بين الأب وابنته.. وهذه الفتوى كما أساءت لمفتيها فإنها أساءت بشكل أكبر للإسلام وأهله.. ويبدو أن بعضهم وبحسن نية أراد أن يحث الرجال على إعفاء لحاهم وإطالتها فرأى ومن وجهة نظر طبية أنه كلما طالت لحية الرجل كلما قويت قدرته الجنسية !! كما قلت: فإن فوضى الإفتاء عمت بلادنا الإسلامية ولو أن هؤلاء فهموا قول الرسول الكريم: «أجرؤكم على الفتوى أجرؤكم على النار» لتوقفوا كثيرا وتركوا الأمر لأهله لكن أكثرهم لا يعقلون. فتاوى استباحة الدماء من أخطر أنواع الفتاوى وأشدها تفريقا للمجتمع المسلم، فالإسلام جعل قتل مسلم واحد مثل قتل جميع المسلمين، كما أنه حرم قتل من يخرج على الحاكم وجعل كل ذلك من اختصاص القضاء.. إن هذا النوع من الفتاوى يعد إهدارا لقيم التسامح وخروجا على قواعد العيش المشترك بين جميع فئات الشعب. الفتوى التي انطلقت من مصر باستباحة دماء المعارضين أساءت للتيار الإسلامي، كما أنها فتحت الباب واسعا لكل من أراد اتهام المسلمين بالإرهاب والفوضى وقتل خصومهم السياسيين، لكن الجميل في الأمر أن مجموعة كبيرة من علماء الأزهر أكدوا أنها ليست شرعية وأن المفتي استخدم نصوصا في غير مكانها. وكان الأولى به كما قالوا أن يتحرى الدقة لخطورة فتواه. المفتي الحقيقي يجب أن يكون حذرا ودقيقا في كل كلمة يقولها وفوق ذلك يجب أن يكون عالما متجردا عن الأهواء الشخصية أما الذي يفتي من أجل المال أو الجاه أو أي هدف شخصي فهذا له شأن آخر فهو يعطي بقدر ما يأخذ وعندما يتوقف عطاؤه فلن يجد فتوى يقولها..!!.