ها هو الضجيج يعود مجدداً، الناشرون يحتجون مبكراً على التنظيمات الجديدة ورفع الأسعار. رسائل إلكترونية تنصح الناشرين بتقوى الله ومقاطعة المعرض. ترقبٌ وجدل قديم جديد يتكرر كل عام، ويطفو السؤال، لماذا في السعودية وحدها يثير الكتاب كل هذا الضجيج؟ وهل تتطلب إقامة معرض كتابٍ منتظمٍ كل هذه المعارك طويلة المدى؟ أمازالت الفئات المؤيدة والمعارضة على نفس قناعاتها قبل عقد من السنين؟ ألم تتغير الدنيا ويستدر الزمان؟. عقد من الزمن مر، تبدلت دول وانهارت أنظمة، وهبت ثورات وعواصف، وتغيرت معالم الدنيا، ونحن ما زلنا نخوض معاركنا العظيمة مع أغلفة الكتب!. ترى هل تستحق المعركة كل هذا الصخب؟ وهل السعوديون شعب قارئ بالفعل؟ ثمة صور متناقضة في هذا المشهد تحديداً، تجد الإقبال الكبير على معرض الكتاب والحماس الشديد في الشراء، ورضا وغبطة الناشرين التي لا تخفى. تجد كذلك نشاطاً بهيجاً على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، قوائم كتبٍ، وحوارات عن أحدثها وأهمها، قراءات عميقة ولافتة في موقع (جودريدز Good reads). ولكن هل هذه هي الصورة الكاملة؟ وهل يقرأ السعوديون بجدية كل ما يشترونه من كتب؟ أم أنهم يتعاملون معها كما يتعاملون مع البضائع الاستهلاكية التي يشترونها من مراكز التسوق، حيث القليل يستخدم، والكثير يكون مصيره سلة المهملات؟ كم دقيقة يقرأ الفرد في مجتمعنا يومياً؟ وكم كتاباً يقرأ في الشهر أو في السنة؟ وهل هناك تناسب بين الوقت الذي يمضيه السعوديون في القراءة وبين الكميات الكبيرة التي يشترونها من الكتب؟. ثم ما نوعية الكتب التي يشترونها؟ وما مدى جدية المواضيع التي يفضلون قراءتها؟ قامت المجلة العربية بإجراء دراسة استطلاعية حديثة عن واقع القراءة الحرة في السعودية، شملت جميع مناطق المملكة، وبلغ عدد أفراد العيّنة عشرة آلاف شخص، ورغم توسع الدراسة في تعريف القراءة بأنها أي مادة مقروءة خارج الدارسة أو العمل سواء مطبوعةً أو مدونة إلكترونياً دون الاقتصار على الكتب فقط، فإن نتائج الدراسة كانت لافتة من حيث المحتوى، فلقد وجدت الدراسة أن نسبة مَن يخصصون من وقتهم نصف ساعة للقراءة المطبوعة أو الإلكترونية لا تتجاوز 19% من إجمالي العيّنة. أما المواضيع التي يفضلها السعوديون في القراءة فكانت الصدارة فيها للأخبار اليومية والأحداث الجارية، تليها في الصدارة مواضيع الفكاهة والترفيه، ثم الأزياء والزينة، ثم الألغاز والأحاجي، ثم الروايات ثم الشعر الشعبي. وتأتي العلوم والموسوعات في ذيل القائمة، في المرتبة السابعة عشرة تحديداً، في حين خلت القائمة تماماً من كتب الفكر والفلسفة والتاريخ!. ورغم ذلك تتفاءل الدراسة، وتعتبر السعوديين شعباً قارئاً، لأن 70% ممن أجابوا على الاستطلاع قالوا إنهم يقرأون بانتظام حتى لو كانت تلك القراءة تصفح البريد الإلكتروني والمنتديات!. ماذا يفعل السعوديون في معرض الكتاب؟ لا شك أنهم يفعلون الكثير، يحتفلون، يلتقون الأصدقاء، يتجادلون، يتبادلون الاتهامات، يشترون الكتب، الكثير منها، لكن ما مصير تلك الكتب؟ و أين تذهب؟ تلك قصة أخرى!.