ثقافة التربص والتخوين تستبد بالمجتمع السعودي، ومن صورها الواضحة استغلال القضايا الساخنة في التوقيت لتسريب وثائق رسمية صحيحة أو مفبركة جزئيا، لتشويه سمعة مسؤول أو مؤسسة حكومية، والموضة انتشرت بشكل غير مفهوم في الفترة الأخيرة، والذي أعرفه أن السياسيين في بريطانيا، مثلا، قد يسربون أخبارا للصحافة لأسباب شخصية أو للإطاحة بخصومهم أو تصفية الحسابات المعلقة معهم، وبدون تسمية المصدر، وفي الحالة المذكورة يواجه الطرف الآخر بالدليل المسرب ليرد عليه أو يعتذر، ومن باب الحياد والإنصاف، وحتى لا تتم ملاحقة الصحيفة قضائيا أو تتهم بالتحامل والتحيز، يشار لرده أو اعتذاره في محتوى الخبر أو التقرير أو التحقيق الصحافي، وبعض الصحافة المحلية وخصوصا مواقع الصحافة الإلكترونية المرخصة بمعرفة وزارة الثقافة والإعلام، تنقل أخبارها من مصدر وحيد ولا تحترم وجود قانون سعودي يجرم سلوكها المتجاوز، وما قد ينطوي عليه من تشهير ودعاية لا علاقة لها بالصالح العام وإن بدت كذلك، وإذا أعيتها الحيلة سربت الوثائق لشبكات التواصل الاجتماعي ونقلت عنها، وسقف الحرية المخلوع لمواقع من نوع «فيسبوك» و«تويتر» فتح الباب لأصحاب الأفكار المتشائمة من المتشددين أو من نصبوا أنفسهم أوصياء على الدين والناس، وحولتهم إلى كائنات منتفخة لا تسمع إلا صوتها وقناعاتها الذاتية، وهؤلاء زادوا على تسريب وثائق لاترى إلا بعين واحدة، تعميم مواقف عوراء لا تمثل إلا وجهة نظر كاتبها ومن يرقص على طبوله، وقدموا نموذجا مؤسفا وسوداويا يضر بالإسلام وأخلاق المسلمين، وفي مجتمع يفترض، من حيث المبدأ، أن الشريعة منهجه في المعاملات قبل العبادات. تشرفت بمقابلة الدكتور محمد العوضي ونخبة من الأسماء الكويتية، وذلك في المهرجان الوطني لدولة الكويت الذي أقيم في الفترة ما بين 22 و24 فبراير 2013، وكان هذا بدعوة من علي بن عبدالرحمن الكندري، باحث الدكتوراه في التاريخ، ورئيس الهيئة الإدارية للاتحاد الوطني لطلبة الكويت في المملكة المتحدة وإيرلندا، وهذه المناسبة تعتبر الأولى في عمر الشراكة الطلابية بين الكويت والسعودية، بعد أن تم التأسيس لها مع محمد بن عبدالله العازمي الرئيس السابق للهيئة، في اجتماع الاتحاد الثامن والأربعين نهاية السنة الماضية، وأتمنى أن يعمل الزملاء في الدورات القادمة على استثمار هذا التعاون وتطويره. وجود الدكتور العوضي في المهرجان أتاح الفرصة لدعوته باسم الأندية السعودية، بعد أخذ الموافقة من الزملاء في الاتحاد باعتبارهم الجهة المستضيفة، واقتراح الدكتور الكريم أحمد بن محمد الدبيان رئيس المركز الثقافي الإسلامي في لندن، إقامة لقاء الضيف في المركز يوم السبت 23 فبراير 2013، وقد أبقينا على الدكتور محمد العوضي، قيد الإقامة الجبرية لما يزيد على أربع ساعات، أخذ اللقاء منها ما يقارب الساعة، والبقية توزعت بين زيارة مرافق المركز والتعرف على خدماته، وحوارات بين الضيف والحضور وعشاء، ولعل أبرز محطات الحوار كانت للدكتور عبداللطيف بن محمد الصريخ، وكلامه عن تجارب قام بها لمعالجة أصحاب المشاكل النفسية عن بعد وبأسلوب التواصل الذهني المركز، واستفسار ثاني لا أستطيع ذكر اسم صاحبه أو محتواه فقد يفهم خطأ، والدكتور العوضي بالمناسبة خريج جامعة أم القرى في مكةالمكرمة، أو حتى تستقيم العبارة، درس الماجستير والدكتوراه فيها، وشخصيته تلقائية بلا تكلف أو تثاقل، ورغم أنه داعية ورجل دين بحكم الدراسة والممارسة، إلا أن عباراته خفيفة ومتفائلة، وثقافته موسوعية ويتعامل مع المختلفين، ولسنا منهم، بأريحية تامة وبأخلاق الفارس، وبطريقة تخاطب عقولهم لا عواطفهم، وبدون وصاية أو معلقات وعظية جافة ومتشنجة، أو اتهام مجاني ومعلب، ويأتي بالاستشهادات من كتب متنوعة وذاكرته فوتوغرافية، والقائمة طويلة ومن يتابع برامج الدكتور التلفزيونية ويقابله بعدها، سيجد أن شخصيته واحدة أمام الشاشة أو خلفها، والعوضى له رأي مهم في الإلحاد، ويصنفه من زاوية ردة الفعل المؤقتة والأزمة النفسية أو الإحباط، ويفضل أن يكون التعامل معه على هذا الأساس ما لم يثبت العكس، ونحتاج فعلا إلى استنساخ نموذج الدكتور العوضي في المؤسسات الدينية والدعوية، والاستفادة من تجربته الجميلة في نقل صورة المسلم الإيجابي المقبل على الحياة والمتصالح مع نفسه ومجتمعه والعالم.