يتنافس، في المشهد السياسي المصري، مأزق الحكم «الإخواني» مع طرافة القوى المناصرة له. وفي هذا التنافس تتجلى جذور الأزمة. فالرئيس منتخب من الشعب، ومن المفترض أن يكون رئيساً للجميع وفوق الجميع ومستمعاً إلى الجميع ومراعياً الحد المشترك من المصالح والمطالب التي ينادي بها الجميع. لكنه، في الواقع، استهلك سريعاً هذا التفويض الشعبي وليعود كممثل لجماعته «الإخوان المسلمين»، وليصبح معبّراً عن هذا الفصيل، تحت راية المرشد ومجلسه. وإضافة إلى التجربة المتكررة، منذ الانتخاب الرئاسي، يتجلى هذا الواقع مرة أخرى، في موقف «الإخوان» من الحوار مع القوى المعارضة ومن التمسك بحكومة فاشلة على كل المستويات. وفي الحالين يفترض «الإخوان» أن أي حوار خارج أجندتهم يعني أن عليهم تقديم تنازلات في السلطة لفئات أخرى، وأن أي تغيير وزاري يعني التضحية ببعض الحقائب، خصوصاً تلك التي يشغلها «إخوانيون» فشلوا فشلاً ذريعاً بإدارة وزاراتهم. وفي هذا المعنى، يتعسف «الإخوان» بتفسير الاقتراع الشعبي على نحو يعطون لأنفسهم الحق باستئثار السلطة كلها ومنعها، في أي شكل، عن الآخرين، مهما كان حجمهم التمثيلي الشعبي ومهما كان مدى الأحقية في مطالبهم. وهذا ما انعكس خلال التظاهرات الشعبية حيث يعتبر «الإخوانيون» أنهم يدافعون عن تنظيمهم في الشارع، مع ما رافق ذلك من عنف ميداني، يُضاف إلى العنف السياسي التي تعتبره الجماعة وسيلتها للاستمرار منفردة بالسلطة. ويبدو أن «الإخوان»، اتباعاً لتقليد قديم لديهم، يعتبرون أن الإكثار من الشكوى واتهام الآخرين يكفيان لتبرئة الذات ولاستقطاب جمهور يتعاطف مع المظلوم. فراحت أدواتهم الإعلامية تنهال على المعارضة والمتظاهرين باستخدام العنف من أجل تغيير «ما أفرزته صناديق الاقتراع». وهنا يقترن النفاق السياسي بطرافة، وإن كانت بطعم مر. إذ يخرج «سلفيو» الجماعة في تظاهرة تأييد للرئيس ولمناهضة العنف. لكن الطبع يغلب التطبع، فيرفعون صور عمر عبد الرحمن المروج الأول للعنف في مصر والذي أصدر الفتاوى بإهدار الدم والسلب والاعتداء على الأقباط والمدان في أميركا بتهم إرهابية، وصور أسامة بن لادن الذي جعل العنف مؤسسة عالمية، استناداً إلى فتاوى الأول. لربما أراد هؤلاء «السلفيون» أن يقنعوا الآخرين بأنهم ينبذون العنف والإرهاب، فلم يجدوا سوى عبد الرحمن وبن لادن كمرجعية. ولتتحول تظاهرة «السلفيين» لرفض عنف المعارضة المصرية، التي تمارس حقها في التعبير عن الرأي بعدما استأثر «الإخوان» بمواقع القرار وبعدما رفضوا كل حوار جدي، ترويجاً لأكثر أنواع العنف الذي شهدته منطقتنا في العقود الأخيرة. وكان يمكن لهؤلاء «السلفيين» أن يكتسبوا حداً من الصدقية، سواء في «مراجعاتهم» النظرية أو في انخراطهم في العمل السياسي السلمي وتخليهم عن العنف والإرهاب، لو أنهم رفعوا صوراً لمهاتما غاندي أو نيلسون مانديلا. لكن العودة إلى مرجعية العنف، عبر عبد الرحمن وبن لادن، تعني أنهم يبررون لأنفسهم استخدام العنف القاتل في حين يمنعون الآخرين حتى من التعبير السلمي. قد يتذرع «الإخوان» بأنهم غير مسؤولين عن نشاط «السلفيين»، لكن هذه الذريعة تسقط لأسباب تاريخية تتعلق بالقرابة الأيديولوجية بين الأصل والفرع، ولأسباب موضوعية تتعلق بقرار الجماعة، عبر الرئيس، إطلاق سراح «الجهاديين» الذين يقضون أحكاماً بالسجن لأعمال عنف يفخرون بارتكابها.