علينا أن نتقن صناعة ما نعمل أو نبني متوقعين أن أحب حبيب هو من سيسكن أو يلبس أو يأكل ما أنتجناه. علينا أن ننفث شيئًا من أرواحنا في المنتج الذي يصدر عنا ليكون بديعًا ومتقنًا. كل المنتجات ثمرة "حركة"، وليس ثمرة سكون. الأمطار، الثمار، النبات... منجزات البشر ثمرة حركة عقل أو نبض قلب أو حيوية جسد. ليست مجرد فعل عشوائي بل مبرمج ومثمر. {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} (مريم: 25). {اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ} (الشعراء: 63). {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ} (هود: 81). حين نقيم إنتاجاً يجب أن ننظر إلى الطاقة الإنسانية بداخله، فالأشياء تفقد قيمتها إذا نظرنا إليها بصورة شكلية. كان رسام مشهور يتردد على مطعم، وقد قضى أربعين سنة في عمله وإبداعه، ذات يوم دخل المطعم فطلب منه المالك أن يرسم له باقة ورد ليزين بها مطعمه، رسمها له حسب الطلب، وحين ذكر له المبلغ الذي ينبغي أن يدفعه، اندهش صاحب المطعم وقال: - كيف تطلب مني هذا المبلغ وأنت رسمتها في دقائق؟ - صحيح لقد رسمتها في دقائق، لكنها تمثل تجربة أربعين سنة من الرسم! ثم أضاف: أتدفع هذا المبلغ أم لا؟ رفض صاحب المطعم، فمزق الرسام رسمه. جاء شاب خليجي إلى الشيخ المتخصص في قسمة المواريث يطلب منه تقسيم تركة والده، وحين أعطاه الشيخ الورقة سأله الشاب عن المبلغ المطلوب مقابل هذا الجهد، فلما أخبره الشيخ استكثره، فأخذ الشيخ الورقة ومزقها! المبدع ينظر إلى الجهد المحدود كغصن في شجرة خبرته الطويلة، ويحس بجزء من روحه وطاقته تسري في العمل، إنه يبيعك جزءًا من عمره، بل من ذاته! الحركة هي المبادرة، هي الطاقة، وثمرتها الصحة والشعور بالأهمية والأجر والمثوبة، وصناعة القدوة، والإحساس بالمعنى. العمل مقدس حتى لو كان كنس الغرفة، أو إعداد الوجبة، أو تنظيم المكتب، أو خدمة الضيف "مثقال ذرة". "الأرض لا تقدس أحدًا، وإنما يقدس الإنسان عمله" (سلمان الفارسي). نعمل ونتحرك لنوافق مسير الكون والكواكب والشمس والقمر. العمل هو الذي يحدد مصير الإنسان في الدنيا والآخرة، والإيمان لب العمل وأساسه، إنه عمل القلب والعقل والجوارح، "آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ". حتى إذا كنت على طريق صحيح سوف يطؤك الناس إذا جلست. لم يودع الله للطيور في أعشاشها أقواتها، بل نشرها وأعطاها أسباب البحث عنها "تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا". (كما في جامع الترمذي، وسنن ابن ماجه، وصحيح ابن حبان). ما لم تحفر الصخر بأظافرك فلن تجد طعم الحياة. من لم يقد نفسه فلن يقود الآخرين. "روزفلت"؛ راعي بقر في الغرب الأمريكي، وصائد للطرائد، كان حماسه وقوته يبدوان بلا حدود، وعندما رشح لمنصب نائب الرئيس عام (1900م)، ألقى (673) خطابًا، ومشى (20) ألف ميلٍ، وذات مرة أثناء تحضيره لإلقاء خطاب أُطلقت عليه النار، وكُسرت ذراعه، واستقرت الرصاصة في صدره، وأصر على إلقاء الخطاب الذي استمر لمدة ساعة قبل أن يسمح لنفسه بالذهاب إلى المستشفى. (القيادة وأثرها في كسب الولاء، د فيصل بن جاسم آل ثاني).