في التاريخ عندما ظهر الراديو قال الناس انتهى دور الجريدة، وعندما ظهر التلفزيون قالوا انتهى دور الراديو، واليوم يقولون إن الإنترنت، وعلى الأخص التواصل الاجتماعي ينهي دور الإعلام القديم، لكن التاريخ يعلمنا أن الوسائل الإعلامية تبقى، وتتعايش، وتتساند، وتبتدع لنفسها خصائص وأدوارا جديدة تضمن لها البقاء، وهذا يجعل السؤال في الواجهة، أين سيتجه الإعلام القديم التلفزيون والجريدة، وكيف سيركب موجة جديدة، بفكر جديدة تعطيه دوره الجديد، وتجعله قادرا على البقاء، بل تنقذه من خطر الإفلاس لحساب إعلام الإنترنت السريع، والرخيص، والفردي، الذي بدأ يستقطب حصة كبيرة من كعكة الإعلان ويحرم الإعلام القديم منها، فالبقاء اليوم لمن يفوز بالسباق ويقنع المعلن أنه الأقدر على الوصول للناس، والتواصل الاجتماعي، ومواقع الإنترنت الكبرى بدأت فعلا تقنع المعلن بأنها الأكثر، والأسرع وصولا للناس. مواجهة واقع الإعلام، والاتصال الحديث تحتاج من رموز الإعلام القديم وإمبراطوراته، والمثقفين، وحتى السياسيين بعض التواضع ومواجهة الحقائق على الأرض، وذلك بتفهم التغيرات الخطيرة التي أزاحت لغة الكلمة والحرف ورسخت مزيدا من الصورة، والصورة المتحركة. مواجهة التغير، ودراسته، والتعامل معه خير من دفن الرأس في التراب، والسؤال المحرج: هل أسقط التواصل الاجتماعي بالأيدي الصغيرة الفردية كل ما بنته إمبراطورية الإعلام للسياسي القديم، وهل أصبح التواصل الاجتماعي المؤثر الأكبر، والمصدر الأول للمعلومة، وأزاح الجريدة الورقية، والتلفزيون، ومن قبلهما أداة العلاقات العامة، وصناعة الخبر، والمناسبة، وصناعة النجم اللامع بالفكرة. هناك من يدق الباب أيها الإعلامي القديم ويقول لك إن الإعلام تغير فصار الإنسان العادي في الشارع بكاميرته الصغيرة المحمولة، مؤثرا أكثر، وهناك من يقنعك أن دور إمبراطورية وإمبراطور الإعلام الكبير الممول بضخامة لا يزال واقفا على قدميه بماله، وتقنياته، وأنه مهما حصل لن يهتز كيانه فهو قادر على شراء التقنية، وتأجير الناس لفكره واتجاهه ومقاومة المد في الاتصال الجماهيري الشعبي والسيطرة عليه بتقنية أفضل وأقوى، عبر أدوات أكثر تقنية وترويجا. الاتصال القديم ما زالت لديه استثمارات صناعية كبيرة، وما زال مصدرا لرزق كثير من الأفراد والأسر، ونقل هذه الإمبراطورية الإعلامية للاتصال الحديث صار أمرا ملحا في الجانبين الصناعي والثقافي، ولن يكون صعبا البحث عن فكر علاقات جديدة تعتمد التحرك عبر دهاليز التقنية لتقديم إعلام يلائم الزمن الجماهيري الجديد، قد يأتي أحدهم بفكرة تخلق الفارق الاقتصادي وتعيد الإعلامي القديم لمكانه، خصوصا بعد فشل نقل الجريدة والتلفزيون إلكترونيا، دون فكر جديدة للعمل غير السائدة حاليا، ما هي هذه الفكر لا أدري لكنها ستأتي.