رغم أن رؤساء الصحف يطمئنون أنفسهم بأنه لايمكن لأي وسيلة اعلامية جديدة إلغاء وسيلة اعلامية قديمة (ويستدلون على ذلك بأن الراديو لم يلغ الصحف، والتلفزيون لم يلغ الراديو، والانترنت لم تلغ التلفزيون) ولكن الحقيقة هي أن كل وسيلة اعلامية جديدة تسرق 90% من جماهير الوسيلة القديمة ولا تترك خلفها غير المخلصين أو العاجزين عن التأقلم.. أين هم الآن جماهير الراديو؟ ومن يتابع هذه الأيام تلفزيونه المحلي؟ وكم نسبة من خطفتهم الانترنت من الصحف؟ وكم مشاهد يتجاهل قنوات الفضاء الإخبارية منتظرا جرائد الغد الرسمية!؟ .. حين نعود إلى مئة عام مضت نكتشف أن الصحف الكبرى (التي توزع مليون نسخة) كان عددها يتجاوز في أوروبا العشرين صحيفة لم يبق منها اليوم سوى أربع رغم ارتفاع عدد السكان.. وفي حين كان الراديو سيد الموقف ويستمع إليه ثلاثة أرباع الناس (اثناء الحرب العالمية الثانية) لم يعد يتابعة اليوم سوى 18% من سكان أوروبا - وأثناء تواجدهم في السيارة فقط. .. والصحف الورقية بالذات تأتي في مقدمة الوسائل المهددة بالانقراض بسبب توالي التقنيات الاعلامية الجديدة.. فبالإضافة الى مزاحمتها من قبل الانترنت والقنوات الفضائية (التي تتفوق عليها بالآنية والتفاعل اللحظي) تعتمد الصحافة الورقية في المقام الأول على تقديم "الخبر" الذي لم يعد أصلا يحظى باهتمام الناس هذه الأيام (وهو ما خصصت له مقالا سابقا أرجو مراجعته على النت بعنوان: وفاة الأخبار)!! .. والفكرة باختصار هي أن الأخبار لم تعد تشكل حجر الأساس في إعلام اليوم.. فجماهير العالم تحولت بكل بساطة الى منتجات اعلامية بديلة وموازية (في مقدمتها الترفيه والرياضة والتواصل الاجتماعي) على حساب الخبر ونقل المعلومة.. أصبح الهم الفردي - والإعلام التفاعلي الذي يتجاوب مع المتطلبات الشخصية - يجذب الناس أكثر من الأخبار الدولية والنشرات الرسمية التي تصاغ لكافة الجماهير وجميع المستويات!! وحين نراجع آخر عقدين فقط نكتشف أن الصحافة الورقية فقدت (إلى الأبد) أهم ميزتين ضمنت رواجها طوال المئتي عام الماضية هما: سرعة الوصول، واحتكار الخبر.. وإذا أردنا معرفة مستقبل صحافتنا الورقية فما علينا سوى النظر لما يحدث للصحف الغربية هذه الأيام.. فعدد الزائرين للنسخة الإلكترونية (لأكبر عشر صحف أمريكية) يفوق الآن مبيعاتها الورقية. وفي عام 2006 حققت النسخة الإلكترونية من الصاندي تايمز عوائد مالية فاقت (لأول مرة) نسختها الورقية.. وفي حين تحقق النسخة الإلكترونية لصحفة الليموند نجاحات متواصلة بين الشعوب الناطقة بالفرنسية وصلت نسختها الورقية في فرنسا الى حافة الافلاس.. أما صحيفة كريستيان ساينس مونيتور فكانت من أوائل الصحف التي أغلقت نسختها الورقية مكتفية بنسختها الإلكترونية التي تستقطب مليون قارئ في اليوم.. وحين ظهرت أجهزة الآيفون والآيباد - وكل الأجهزة التي يمكن حملها في الجيب - ارتفعت وتيرة اغلاق الصحف العريقة مقابل ازدهار نسختها الإلكترونية التي يفضل الناس قراءتها على الجوال!!