لا أدري متى يمكن أن تختفي لدينا عادة المديح المجاني عند تعيين مسؤول في منصب مهم أو مرتبة وظيفية عليا، أو على الأقل متى تبادر الصحف إلى تقليصها لتكون في إطار المعقول والمستساغ. فإذا كان مقبولا أن يتحدث أحد الأشخاص القريبين من المسؤول المعين بحكم علاقة العمل أو العلاقة الشخصية أو من خلال موقف أو تجربة شخصية؛ لأن مثل هذا الحديث يكتسب قدرا من المصداقية، فإنه من غير المقبول أن يبادر شخص ربما لم يشاهد ذلك المسؤول أبدا، ناهيكم عن معرفته به ليتحدث عن مزاياه وقدراته وكفاءته بأسلوب إنشائي بدائي لا يحترم أفهام الناس، ولم يعد لائقا بهذا الوقت ولا يضيف شيئا لذلك المسؤول. آخر مناسبة ذكرتني بهذه الظاهرة المحلية بامتياز هي تعيين الأمير مقرن بن عبدالعزيز نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء، فما إن صدر القرار حتى بدأت الصحف كالعادة بنشر كلمات لمسؤولين هامشيين في مختلف المناطق، بعضهم لا تزيد وظيفته عن رئيس قسم أو مدير إدارة، يتحدثون عن الحنكة الإدارية للأمير مقرن وشخصيته القيادية وخصاله الإنسانية، وكأنهم كانوا ضمن فريق عمله في المواقع التي شغلها قبل موقعه الجديد، أو كأنه ينتظر منهم مثل هذا النفاق البواح أو يرتضيه. لهذا السبب سأتحدث عن موقف قديم شكل انطباعي عن الأمير مقرن وأكده المسؤول الذي كنت برفقته، فقد حدث أن رافقت مع مجموعة من الزملاء الدكتور أسامة شبكشي عندما كان وزيرا للصحة في زيارة للمدينة المنورة حين كان أميرها مقرن، وكانت الزيارة مخصصة أساسا لتفقد استعدادات الصحة لموسم الحج، لكن الأمير مقرن بعد استقباله الحميم الذي أذهلني، وبعد استكمال النقاش في الموضوع الأساسي للزيارة، وبتهذيب جم يصل حد استئذان الوزير في مناقشة موضوع آخر، طرح حاجة منطقة المدينةالمنورة لمشروع صحي معين، فرحب الوزير بفكرة المشروع وشرح الاحتياجات اللازمة لتنفيذه، فبادر الأمير إلى تقديم ملف جاهز متكامل يضم كل المعلومات اللازمة، ثم طلب دخول أعضاء اللجنة الصحية في مجلس المنطقة للإجابة عن أي استفسارات أخرى.. في رحلة العودة من المدينة، وحين لمح الدكتور أسامة إعجابي بذلك الموقف قال لي: يا بني هذا هو المسؤول الذي يجعلك تتحمس لمطالبه؛ لأنه يعينك على إنجازها بدراستها جيدا قبل تقديمها وتوفير كل المعلومات اللازمة عنها، وأضاف: قد لا تعرف أنه يحمل ملفات منطقته بنفسه لمناقشتها مع الوزراء نقاشا مستفيضا ينتهي بحصوله على ما يريد لأنه دقيق في معلوماته ومفاوض بارع. تذكرت هذا الموقف في زحمة التهاني للأمير مقرن، لا لشيء، وإنما لأقول له: كم نتمنى أن يستفيد الوطن من فلسفتك ورؤيتك للمسؤولية التي جسدها في ذاكرتي ذلك الموقف، ولا سيما وأنت الآن داخل دائرة القرارات الوطنية الاستراتيجية، وكان الله في عونك.