يُعد أمر تحديد اللغة التي يجرى بها التحكيم من الأمور المهمة التي يجب الاتفاق عليها بين أطراف الدعوى التحكيمية، حال قيام الخصوم بإعداد وثيقة التحكيم أو التوقيع عليها وفق الشكل المطلوب، سواء كانت اللغة العربية أو أية لغة أخرى، ويجب على هيئة التحكيم التقيد باللغة التي اختارها الخصوم أثناء نظر الدعوى التحكيمية. ونظراً لأهمية هذا الإجراء نص كل من نظام التحكيم السابق ونظام التحكيم الجديد على بيان لغة التحكيم، ويظهر الفارق جلياً بين النظامين فيما يخص هذا الإجراء، إذ نص نظام التحكيم السابق رقم (م/46) وتاريخ 12/07/1403ه في المادة الخامسة والعشرين من اللائحة التنفيذية، على أن تكون اللغة الرسمية التي تستعمل أمام هيئة التحكيم هي اللغة العربية، إذ ورد النص على أنه "اللغة العربية هي اللغة الرسمية التي تستعمل أمام هيئة التحكيم سواء في المناقشات أو المكاتبات، ولا يجوز للهيئة أو المحتكمين وغيرهم التكلم بغير اللغة العربية، وعلى الأجنبي الذي لا يستطيع التكلم باللغة العربية، اصطحاب مترجم موثوق به يوقع معه على محضر الجلسة على الأقوال التي نقلها"، وبذلك كان يجب أن تتم المرافعة والمناقشة، وكذلك المكاتبات باللغة العربية ولا يقبل إطلاقاً أية لغة أجنبية أخرى حتى ولو كانت لغة المحكمين أو الخصوم غير اللغة العربية، وعلى الأجنبي الذي لا يتكلم العربية أن يصطحب معه مترجماً موثوقاً به، يوقع معه في محاضر الجلسات على الأقوال التي نقلها إلى الحاضر معه، وبذلك كان النظام السابق يمثل تضييقاً على حرية الخصوم في الدعوي التحكيمية وأحقيتهم في اختيار اللغة التي تجري بها الدعوى التحكيمية، بل أيضاً كان يمثل تضييقاً على هيئة التحكيم التي تنظر النزاع. أما نظام التحكيم الجديد الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/34) وتاريخ 24/05/1433ه، فقد ترك الحرية للخصوم في اختيار اللغة التي يجرى بها التحكيم، سواء كان ذلك في المناقشات أو المرافعات أو المذكرات المكتوبة أو القرارات التي تتخذها هيئة التحكيم أو الرسائل الصادرة منها أو غيرها، مُعلياً مبدأ حرية الأطراف في اختيار اللغة التي يرون أنها الأفضل لسير إجراءات التحكيم، وهذا ما تم النص عليه في المادة التاسعة والعشرين، على أنه "يجري التحكيم باللغة العربية ما لم تقرر هيئة التحكيم أو يتفق طرفا التحكيم على لغة أو لغات أخرى، ويسرى حكم الاتفاق أو القرار على لغة البيانات والمذكرات المكتوبة والمرافعات الشفهية، وكذلك على كل قرار تتخذه هيئة التحكيم أو رسالة توجهها أو حكم تصدره ما لم ينص اتفاق الطرفين أو قرار هيئة التحكيم على غير ذلك"، وتؤكد هذه المادة المرونة التي تبناها المنظم السعودي حال إصدار نظام التحكيم الجديد سواء بالنسبة للأطراف أو بالنسبة لهيئة التحكيم، مخالفاً بذلك ما تم النص عليه سابقاً بنظام التحكيم القديم. وبذلك أجاز النظام الجديد للأطراف الاتفاق على أن يُجرى التحكيم بغير اللغة العربية وأن تقدم الطلبات والدفوع والمذكرات والمناقشات وتُحرر الرسائل والإعلانات بغير اللغة العربية، كما تصدر قرارات هيئة التحكيم وتدون محاضر الجلسات بغير هذه اللغة سواء تم التحكيم في المملكة أو خارجها، كما أجاز النظام الجديد لهيئة التحكيم حال عدم اتفاق الأطراف بشأن تحديد لغة التحكيم أو تركه ذلك لهيئة التحكيم أن تقرر - هيئة التحكيم - أن يجرى التحكيم بلغة غير اللغة العربية، ويكون قرار هيئة التحكيم ملزماً للأطراف، ويمكن لها - حال تحديدها اللغة التي يجري بها التحكيم - الاسترشاد بلغة العقد المُحرر بين الطرفين والمستندات المتبادلة بينهما بشأن النزاع التحكيمي أو لغة الدولة التي اتفق الطرفان على اختيارها كمكان لإجراء التحكيم، كما يفهم من المادة السابقة جواز إجراء التحكيم بأكثر من لغة ويكون ذلك حال اختلاف لغة المحتكمين فيجرى التحكيم باللغتين معاً، مع تقديم ترجمة لما يقدمه أو يُدفع به الخصم أمام هيئة التحكيم حتى يعلم الطرف الآخر بما ذهب اليه خصمه. أما إذا اتفق الأطراف على أن يُجرى التحكيم بلغة واحدة محددة، فيجب التقيد بذلك أمام هيئة التحكيم، كما يجوز للأطراف استثناء بعض الإجراءات من ذلك، بأن يتم الاتفاق على أن بعض الإجراءات تتم بلغة معينة غير اللغة التي تم الاتفاق عليها فيجب أيضاً التقيد بذلك، ومثال ذلك أن يتفق الأطراف على جريان التحكيم باللغة الإنجليزية ويتفق الخصوم على أن يكون الحكم الصادر عن هيئة التحكيم باللغة العربية، أو أن يجري التحكيم باللغة العربية وتقدم المذكرات باللغة الإنجليزية، فكل ذلك جائز في نظام التحكيم الجديد. وأجاز نظام التحكيم الجديد لهيئة التحكيم أن تقرر ترجمة جميع أو بعض الوثائق المكتوبة والمقدمة في الدعوى التحكيمية إلى اللغة أو اللغات المستعملة في التحكيم، وفي حالة تُعدد اللغات يجوز لهيئة التحكيم قصر الترجمة على بعضها، وهذا ما نص عليه في الفقرة الثانية من المادة التاسعة والعشرين بأنه "لهيئة التحكيم أن تقرر أن يرافق كل الوثائق المكتوبة أو بعضها التي تقدم في الدعوى ترجمة إلى اللغة العربية أو اللغات المستعملة في التحكيم، وفي حالة تعدد هذه اللغات يجوز للهيئة قصر الترجمة على بعضها"، وبذلك يُعد ما نص عليه نظام التحكيم الجديد مواكباً مع ما تم النص عليه في الأنظمة التحكيمية الدولية، وذلك بهدف تسيير إجراءات التحكيم وسرعة الفصل في القضايا وجذب الاستثمارات إلى المملكة العربية السعودية. ويفضل إزاء النص الوارد في نظام التحكيم الخاص بلغة التحكيم وعدم التقيد باللغة العربية في منازعات التحكيم، أن تأخذ الجهات المعنية ممثلة في وزارة العدل ومراكز ولجان التحكيم على عاتقها تبويب ونشر المبادئ القانونية التي تضمنتها أحكام التحكيم المصادق عليها والمنفذة، حتى يستفيد منها الباحث القانوني وترجمتها إلى اللغة العربية إذا كانت بلغة غيرها.