حجب جائزة "الفيصل" للدراسات الإسلامية يثبت أن علماءنا متقوقعون غرقا في تشنجات الربيع العربي، وإغراءات "تويتر"، وقضايا المرأة.. على حساب البحث العلمي وخدمة الدين وفقه الواقع! كمجرد قارئ مستديم لخريطة جائزة الرمز القيادي الملك فيصل – يرحمه الله – يستوقفني دائماً غياب مدارسنا الإسلامية بجامعاتها المتعددة والمتخصصة بعلمائها ومفكريّها عن فرع الجائزة في الدراسات الإسلامية، إما لعدم القدرة للتقدم لها أو لعدم ارتقاء البحوث المقدمة.. والمحصلة لم ينجح أحد! ولنا أن نتخيّل بعد تتبع مسار الجائزة وفي نفس الفرع تحديداً سنجد وبحسبة بسيطة أنها حُجبت اثنتي عشرة مرّة في تاريخها، فخذلها أهلها وعلماؤها وباحثوها المنتظر منهم الكثير في فرعٍ يعتبر من إرهاصاتنا وكينونتنا، ليُثبت لنا ذلك وبالأصالة أننا مُتعالِمون، متوقفون، أو متقوقعون، وأن ثقافتنا الإسلامية تعاني الكثير من متخصصيها، ومن دائرة أوسع تكشف حقائق أمتنا الإسلاميّة الغارقة في تشنج بين تياراتها وعلمائها لتعكس حالنا في جميع أرجاء العالم وفي شتى المجالات! وعندما لم تكن الجائزة العالمية حصراً على علمائنا أو (خصوصيتنا) السعودية بل إنها تتجه نحو المعمورة ومليارات المسلمين مثلما أن الإسلام ومذاهبه ليس حكراً علينا أو على علمائنا كما يعتقد (بعضنا) ذلك، فيبقى سؤالٌ حائرٌ لعلماء الأمة: ماذا تبقى لنا.. حتى في علومنا الشرعيّة لم نفلح؟. أمّا "السعوديين" خاصةً فلم يحصلوا على الجائزة سنينَ عديدة ولم يقدموا ما يستحق ويشفع في ظل انحصار الكثير في الهوامش والأحكام الفرعية وترك الأصول، والاهتمام مؤخراً بصراعات الربيع العربيّ و(أجندته)، والتنافس في أعداد (المغرِّدين)، ووظائف المرأة واستحقاقاتها من حياتها البسيطة إلى دخولها مجلس الشورى، وتصنيف الآخر، والظهور الإعلامي، والنقاشات البيزنطيّة المحتقنة.. على حساب البحث والتأليف وخدمة الدين وفقه الواقع. ورغم أن ديننا العظيم عصريّ لكل زمان ومكان، ختم الله عز وجل به الأديان وكملَّها فإنه يجبرنا أن نتساءل مرات ومرات: أين علماؤنا الراسخون مكانة وعلماً في منهجة الخطاب الإسلامي ومجاراته للزمان والمكان في وقت تعددت فيه الشبهات والفتن وتحديات العصر في تحسين صورة المسلمين بكيف نعيش حياةً كريمة منبثقة من أخلاق محمد عليه الصلاة والسلام وإتمامه لمكارم الأخلاق؟ وكيف تناسوا وأهملوا الاستخلاف في الأرض وإعمار الفكر والعقل وصناعة الحياة وتنمية البشر تحليلاً وبحثاً؟ وإظهار حقيقة الإسلام بمحاربة الفكر الضال والإرهاب ومنابر المناحلات المذهبية والطائفية التي ما زالت تحرض على العداوة بشهادة لغة خطاب بعضنا حتى اليوم ولغة حوارنا التي ما زالت بمعادلات أحادية لا حدود لها! المفكر الجزائري مالك بن نبي يقول: "ليست المشكلة أن نُعلِّم المسلم عقيدةً هو يملكها، وإنما المهم أن نَرُد إلى هذه العقيدة فاعليتها وقوتها الإيجابيّة وتأثيرها الاجتماعي". فلِمَ لم تستطع لغة بحثنا الإسلامي ومناهجنا أن توقف يوماً التفجير والتكفير والطائفية ودوائر التصنيف الفكريّ.. تقابلها مناهجنا الدراسية (الكميّة) في تعليمنا ومحدودية تعديلها لمسار السلوك الإنساني في ظل معطيات متزايدة نحو العنصريّة والقبليّة والمناطقيّة وهضم حقوق الإنسان والعبث بالمال العام وعدم الحفاظ على ممتلكات الوطن..؟ ومباشرة بالتساؤل والإثارة والريبة إلى علمائنا ومفكرينا، ما رأيكم أيها الكرام عندما تشاهدون علماء الكون ومن جميع الديانات يتصدرون المشهد ويحصدون جوائز "الفيصل" كل عامٍ في جميع التخصصات، فهل ستستنكرون أو تغضبون عندما يفوز يوماً ما بفرع الدراسات الإسلامية غير مسلم، ممّن لم يتوانوا عن البحث العلمي وصناعة الحياة؟ مارأيكم فقط؟! لست محباً للتصنيفات القائمة والتي ذهب بها عنوان مقالي، ولست مع تصنيف الدين إقليميّاً أو عروبيّاً أو عالميّاً، فدين الله الإسلام، ولكنها أمنياتنا أن يكون الحصاد من مجتمعنا الإسلامي لنصدره للإنسانيّة فقط بدعم علمائه علميّاً وعمليّاً وحتميّة نتاجهم الفكري الإيجابي لإرضاعه للأجيال وللعالم بأسره، تلك المسؤولية يا خلفاء الله!