حينما قرأت خبر أن المنشقين بعد الثورة في مصر عن جماعة الإخوان المسلمين وجلّهم من شباب الإخوان، الذين عصوا قياداتهم واشتركوا في أول لحظة في الثورة المصرية، تذكرت تاريخ هذه الجماعة، الذي دفعني الإلمام به منذ كنت في مقتبل عمري، وحتى وأنا على مقاعد الدرس، حينما وفد إلينا من أعضاء هذه الجماعة الكثيرون من مصر وسوريا هربًا في الظاهر من اضطهاد يدّعون أنه وقع عليهم في بلدانهم وإعمالاً لأهداف الجماعة في أن تعم دعوتهم العالم العربي والإسلامي، فهم من حين نشأة جماعتهم وهم يماهون بين دعوتهم ودعوة الإسلام، فهما معًا شاملتان عامتان موجهة للعالم كله، فمن أهداف الجماعة في نظامها العام في بابه الثاني (الإخوان المسلمون هيئة إسلامية جامعة، تعمل لإقامة دين الله في الأرض، وتحقيق الأغراض التي جاء من أجلها الإسلام الحنيف)، ويرون مهمتهم تبليغ الإسلام إلى الناس كافة وإلى المسلمين خاصة، وشرحها شرحًا دقيقًا يوضحها ويردها إلى فطرتها وشمولها، ويدفع عنها الأباطيل والشبهات، ومن الأهداف ما يكشف ما يعتزمون عليه من تغيير في البلدان فهذا الهدف يقول: (تحرير الوطن الإسلامي بكل أجزائه من كل سلطان غير إسلامي، ومساعدة الأقليات الإسلامية في كل مكان، والسعي إلى تجميع المسلمين حتى يصيروا أمة واحدة) ولذا لم تكن الجماعة وطنية أبدًا فهي تسعى إلى الأستاذية التي تجمع المسلمين كلهم تحت سلطتها، ولا يكفي هذا بل تجعلهم يفهمون الإسلام بفهمها فأركان البيعة في نظامها عشرة: الفهم، والإخلاص، والعمل، والجهاد، والتضحية، والطاعة، والثبات، والتجرد، والأخوة، والثقة، ولكل واحد من هذه الأركان شرح وافٍ، فالإمام حسن البنا يفسر ركن الفهم بأنه (أن توقن بأن فكرتنا إسلامية صحيحة، وأن تفهم الإسلام كما نفهمه في حدود الأصول العشرين)، التي يسردها ثم يشرحها، فالأمر محكم، لا ينزل فيه شيء دون أن يكون له تعاليم ثابتة، لهذا فالإمام حسن البنا أصدر رسالة تسمى رسالة التعاليم، لتكون دستورًا للجماعة لا يخرجون عنه، والبيعة عندهم أصل لإنشاء الجماعة ونصها: (أبايعك بعهد الله وميثاقه على أن أكون جنديًا مخلصًا في جماعة الإخوان المسلمين، وعلى أن أسمع وأطيع في العسر واليسر والمنشط والمكره إلا في معصية الله وعلى إثرة علي، وعلى ألا أنازع الأمر أهله، وعلى أن أبذل جهدي ومالي ودمي في سبيل الله ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، والله على ما أقول وكيل)، وهذه البيعة ينتج عنها طاعة عمياء في الغالب، يتخلى فيها العضو عن استقلاله الفكري تمامًا، والبيعة في الإسلام لم تكن إلا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولخلفائه من بعده، ولا تكون صحيحة إلا وفق شروط، وليس لغير الحاكم المسلم بيعة ولا حاجة لها، والطاعة التي التزم بها الإخوان لمرشدهم هي ما جعلت كل مستقل الرؤى والفكر إما أن يعزل عن الجماعة أو يتخلى عنها، ولهذا فالعلماء حقيقة بين الإخوان عدد قليل جدًا، وإذا التحق بها أحد منهم لا يلبث إلا قليلاً ثم يغادرها غير آسف، وهذه الطاعة العمياء هي ما جعلت مكتب الإرشاد يتسلط على أفراد الجماعة، بعقوبات صارمة عندما يقع منهم الأخطاء بحسب نظره، وإلى طردهم في أحوال أخرى، والمغادرون لجماعة الإخوان عدد كبير منذ إنشائها حتى اليوم وتجددت الانشقاقات عنها بعد وصولها للحكم، لما ظهر من تناقضات شديدة في مواقف الجماعة، وكان المنشقون أكثر أعضائها بروزًا وعقلانية، فبعد أن انهمكت الجماعة في السياسة ظهر أنها لم تختلف عما سبقها في الحكم، رغم تكرر الإنكار من رموزها، وزاد الأمر نفرة أن وصل إلى مكتب الإرشاد من يؤمنون بفكر سيد قطب المعترَض عليه لإحيائه فكرة الخوارج فيما دعا إليه من الحاكمية والحكم بجاهلية مجتمعات المسلمين، ويتوقع المحللون أن تتزايد الانشقاقات ما لم تتغير تشكيلة مكتب الإرشاد الحالي، فانهماك الجماعة في السياسة على الصورة التي حدثت نفّر منها بعض أعضائها، وبالتالي بعض الشعب المصري الذي بدأ يتكشف كثيرًا من الحقائق التي حُجبت عنه في الماضي بسبب سرية العمل في هذه الجماعة، والمقالة لا تكفي لأتحدث عن نظام الجماعة الذي من قرأه لن يبقى على ودٍ معها، ولكني أعجب لبعض مثقفينا الذين يدافعون عن جماعة الإخوان المسلمين أكثر من أعضائها المنتسبين إليها، وهم لم يقرأوا عنها شيئًا، رغم أن نظمها ومذكرات من انتسبوا إليها متاحة، ولكن كالعادة فلدينا مثقفون يتحدثون عما لا يعرفون، ويزاد عجبي من أخوة لنا ينكرون أن بين السعوديين من هو منتسب للتنظيم العالمي للإخوان، رغم أن من وفدوا من إخوان مصر وسوريا إلى بلادنا منذ الثمانينيات الهجرية وما بعدها، قد أنشأوا خلايا إخوانية من السعوديين الذي كانوا حينذاك على مقاعد الدرس، وكثير منهم حتى اليوم يذكرون من يعتبرونهم مشائخ لهم منهم ونعرف منهم من كان في إدارة تنظيم الجماعة العالمي، كان يغادر البلاد كل عدة شهور لحضور الاجتماعات، وأظن أن بعض إخواني من أمثالي الذين عرض عليهم الإخوان فكرهم وحاولوا أن يضموهم إلى خلاياهم، فلما رفضوا حاولوا بشتى السبل تتبعهم بالأذى، وحماهم الله من شرورهم، ولكنهم عرفوا أعيانهم ومن خدعوهم من إخواننا فضموهم إلى جماعتهم، واليوم نرى غضبهم عظيمًا كلما انتقدنا الإخوان، وتراهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي يوزعون التهم على كل منتقد للإخوان ليثبتوا لنا أنهم الإخوان الأوفياء لجماعتهم ولعلي أعود إلى هذا الموضوع مرة أخرى قريبًا.. والله ولي التوفيق.