استجابة للشكوى التي تقدمت بها جماعة الإخوان المسلمين، أحال النائب المصري العام مقدم البرامج الساخر باسم يوسف إلى التحقيق بتهمة التطاول على ذات رئيس الجمهورية! وهي تهمة لم نسمع بها في أي بلد يعتمد النظام الديمقراطي. في الدول الديمقراطية يتمتع المواطن بحقوق تحصن شخصه من كل ما يمكن أن يندرج في خانة النقد اللاذع او السخرية ، مما يتيح له اللجوء الى القضاء في حالة الافتئات على هذا الحق من اي مواطن آخر . لكن وبمجرد أن يتقلد المواطن منصباً رسمياً يصبح هدفاً مشروعاً لكل أشكال النقد بما في ذلك السخرية اللاذعة ، ذلك أن المسألة هنا تبقى متعلقة بحرية الفكر وحق إبداء الرأي، وليست متعلقة بحق القذف والشتم كما يحاول البعض تصوير ظاهرة انتشار الكوميديا السياسية في مصر بعد الثورة. وحتى في الدول التي تعتمد أنظمة نصف ديمقراطية، فإن أصحاب المناصب الرسمية بما في ذلك رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب، لا يمتلكون حق التشكي على الفنانين ومقدمي البرامج الذين يسخرون منهم ومن أسلوب أدائهم. ولنا في لبنان التي تعتمد نظاما نصف ديمقراطي وقائم على المحاصصة الطائفية ولا يسمح بإجراء انتخابات عامة لاختيار الرئيس، بل يستعيض عن ذلك بانتخابات داخل مجلس النواب، أصدق مثال على ما ذكرناه،. لقد دأبت كل قناة لبنانية ومنذ وقت طويل جداً، على بث برنامج واحد أسبوعياً على الأقل، يسخر من السياسيين وزعماء الأحزاب دون أن نسمع عن أية محاولة لإيقاف أحد هذه البرامج، ودون أن نقرأ عن شكوى واحدة تقدم بها أحد الزعماء ضد مقدمي هذه البرامج. فكيف نسمع فجأة وبدون مقدمات بوجود تهمة كتهمة التطاول على الرئيس أو إهانة الذات الرئاسية، بعد قيام الثورة الشعبية التي أطاحت بالنظام السابق والتي اعتمدت آليات النظام الديمقراطي لانتخاب رئيس الجمهورية نفسه، وليس أعضاء مجلس الشعب فقط! إن ما يحدث في مصر حقاً مخيف، فقبول النائب العام المعين من قبل رئيس الجمهورية - في افتئات صريح على السلطة القضائية - بالنظر في شكوى من نوع التطاول على ذات الرئيس وإحالة المتهم بارتكابها إلى التحقيق، في نفس الوقت الذي تجاهل فيه كل أنواع الإهانة والتحريض التي استهدفت طائفة من طوائف الشعب عبر عشرات الوقائع، ومن ضمنها إحراق الإنجيل علنا في مكان عام من قبل أحد كبار المتطرفين في البلاد.. إن هذه الوقائع تبثت وجود نوع خطير من الازدواجية في المعايير التي يتم تحريها في تطبيق العدالة.. مما يدل على أننا بصدد العودة إلى ديكتاتورية لم تعرفها مصر منذ نهاية حكم الخديوية. ما يدعو للتفاؤل في هذا الإطار هو رفض القضاء المصري الدعوى المقدمة ضد باسم يوسف وضد قناة سي بي سي التي تبث برنامجه. وهو مؤشر على إصرار القضاء على التمسك باستقلاله مواصلاً المشوار الذي بدأه منذ مظاهرة القضاة الشهيرة التي خرجت ضد نظام مبارك قبل اندلاع الثورة بحوالي عام أو أكثر. حرية النقد بما في ذلك السخرية، حق مقدس في المنهج الديمقراطي.