ناصر الصِرامي - الجزيرة السعودية أشاهد الآن مضحكات إعلامية، وأكتب هذا المقال وأمامي عشرات الفيديوهات لنجوم التلفزيون الجدد (الوعاظ)، يختلف المقدم -الهريج- ولا تتباين اللغة المكررة، وقد يتفق الشكل التقليدي والمضمون الهجومي الكاسح لمن دخلوا للإعلام بعباءة الوعظ والإرشاد، لكن بضاعتهم تثبت مع الوقت كم هي رخيصة جدا. أتابع الآن كماً من الفيديوهات المأخوذة من قنوات تلفزيونية من مستوى الدرجة الثانية، تهاجم وتتهجم على صاحب البرنامج الساخر (برنامج البرنامج)، باسم يوسف. طبيب القلب الذي أصبح ظاهره تلفزيونية عبر سخرية لاذعة تهاجم تشوهات الواقع السياسي الجديد في مصر، ولا توفر أحداً من كل الاتجاهات. لكن حدث أن قوى الإسلام السياسي (إخوان، وسلف) تصدروا السلطة، وأصبحوا - مثل كل صاحب سلطة في عالمنا البسيط- يناورون لتحويلها إلى سلطة مطلقة - دكتاتورية جديدة، لكن الكارثة أنها بغطاء ديني هذه المرة، ومن يعارضها أو حتى ينتقدها، فهو ضد الإسلام جملة وتفصيلا. وحدث أن القوى الأخرى الوطنية والليبرالية واليسارية والقومية وغيرها أصبحت هي المعارضة، لذا فإن النقد والعين والضوء موجه - كما يحدث دائما- لمن هم في السلطة، لكن أحزاب الإسلام السياسي التي كانت تنتقد السلطة لدرجة التحريض، ضاق خلقها وذرعها ببرنامج حديث ساخر (توك شو). وفيما يشن السلف حرباً ضده، رفع محامي الإخوان قضية رفضتها المحكمة، فيما يتواصل هجوم من خطباء الإعلام الجدد - رجال الدين - على شخصية باسم يوسف وخطابه الساخر بعد أن وجد برنامجه حضوراً هائلاً وتأثيراً يتجاوز الشارع المصري إلى العربي، فهو في النهاية يحاكي ذات الطريقة والخطاب الذي يصبغ حديث الوعاظ في جدلهم السياسي لصالح أحزاب تقترب منهم شكلاً ومضموناً إلى مستوى يصل إلى وصف الآخر - المسلم - بالمنافق. والتخوين والتكفير متى ما دعت الحاجة! مضيفين إلى هذه الخلطة قاعدة يسيئون استخدامها عن قصد ((واغلظ عليهم))، لتصبح: واغلط عليهم، وردع كل معارض! مرة أخرى يثبت رجال الدين الجدد أن موقعهم ليس الإعلام، وإن ما كانوا يقولونه أو يتداولونه في منابرهم الضيقة، أو محاضراتهم الخاصة، ينكشف ويوثق أمام الإعلام، وهذا ما يفعله برنامج البرنامج، عبر رصد تناقضات خطباء الإعلام الإسلاموي - إن جاز التعبير. والحال مع باسم يوسف ليس استثناء، لكنه القاعدة مع كل جهد إعلامي يزحف للمناطق التقليدية ويعريها، ويكشف أزمتها، وتدني صدقيتها وتناقضها واستغلالها للوضع العام لترسيخ وحدانيتها وتفردها بكلا المساحات، ونسف غيرها والمغاير لها، لكن الأكيد أن هذه مهمة مستحيلة. لذا سيكون برنامج باسم يوسف مجرد البداية، نحو حرية تعبير وتفكير تقلق أصحاب الخطاب الهش، والذين يحصنون أنفسهم بالالتصاق المتطرف بالدين!