أربعة عشر يومًا فقط تفصل مصر عن الاحتفال بذكرى الخامس والعشرين من يناير، فمن يا ترى من المحتفلين على استعداد لأن يرصع الميادين بالقناديل والمصابيح؟ من منهم على استعداد لأن يعيد للثورة وجهها البشوش ويجعل فمها المغلق من الحسرة يبوح؟! من سيجعل رائحة الياسمين تفوح؟! أكتب ذلك وأنا أتابع استعدادات القوى السياسية للاحتفاء بالثورة كل على طريقته! فريق يؤكد أنه سيحشد "المجاهدين" لحماية الثورة، وآخر يقول أنه سيرسل "جنود الثورة"!! ومن المحتفلين من يريدها دماء ومنهم من يسعى لكسر الكبرياء، ومنهم من يريدها فتنة تجعل من الثورة كلها هباء يذروه الخيال ووحدة الوطن كله إلى زوال! لقد بانت من الآن ملامح الفوضى ومكذوب السرائر في الكلام على ألسنة القوى التي لا تريد التقدم للأمام بقدر سعيها لتحويل الدولة إلى "هوام"! والحق عندي أن الثورة لا تحتاج إلى "مجاهدين" ولا أي "جنود" بقدر ما تحتاج إلى جهاد مع النفس وثورة على الطمع والغش! ولنُعد معًا تكرار السؤال: من منكم على استعداد لإعادة الهتاف الموحد والمواويل والأناشيد التي لم تعد تطال؟! إن نظرة واحدة على الاستعدادات الخاصة بذكرى الخامس والعشرين، تؤكد أن البعض يريدها مجزرة بدعوى التصدي لمحاولة هذا الفريق أو ذاك الاعتداء على المتظاهرين، وبدعوى الدفاع عن حقوق الشهداء والمظلومين، وبدعوى أنه يوم للجهاد العظيم! وآه لو جاهد هؤلاء كلهم نفوسهم، ولمَّ أولئك كلهم ألسنتهم، وتخلى هؤلاء عن حلمهم، وعاد أولئك لنبلهم.. آه يا زمن الثورة لو كنت تعود فتنبذ الفتنة والفرقة ليظل شباب مصر في اخضرار العود! كلكم تعتبرون هذا اليوم هو عيد، فلا تعتموا الفجر الوليد، ودعوا شمس مصر تشرق من جديد! افسحوا لمصر التي في خاطركم وخاطرنا كي تعود.. من حق شعبنا أن يتمسك بالحرية الحقيقية وبالعيش الرغيد. إنه يوم عيد.. إنه يوم عيد فتبًّا لمن اكتالوا التهديد وأدمنوا التنديد ووزعوا بيانات الثأر والوعيد! أيها الخائفون الحقيقيون على مصر وشعب مصر من منكم على استعداد لأن يتبرأ اليوم من ترهات ومحاولات إشعال الحريق؟ من منكم على استعداد لأن يوجه سيل هذه الجماهير نحو ميدان الانتماء؟! من منكم يهدي مصر اليوم قبضة من وفاء؟ احتملوا جميعًا جمر الغضب.. ولكن لا تؤججوه! تحملوا نار "الالتراس" الغاضبين والشباب المحبطين ولكن لا تحرقوا بها الآخرين واتجهوا بها نحو المصب! كفى عبثًا وهراءً وخطبًا. أيها المستعدون للاحتفال انتبهوا الطغام جاهزون للانقضاض على الميدان، ليس لإزاحة الإخوان، أو الدفاع عن الإخوان، وإنما لإجهاض الأحلام! أيها المتأهبون للاحتفال بدلًا من أن تحشدوا وتحتشدوا ضد بعضكم دققوا جيدًا في الفلول "المجذومين" وابتعدوا عنهم، دققوا في المهزومين واتقوا شرهم ،دققوا في الحاسدين واكشفوا مكرهم.. وإلا ذهبت ريحكم.