مهما ادعى أنصار نظرية الحاكمية التي أعاد الإخوان المسلمون إحياءها بعد اندثار تراث الخوارج، بأنهم يعملون على إقامة حكم الله، فإن الحقيقة تقول بأن كل نظريات ومشاريع الحكم تبقى مجرد مجهودات بشرية. وحتى في حال استلهام ملامح المشروع أو النظرية السياسية من النصوص المقدسة، فإن المسألة تبقى مرهونة بالاجتهاد البشري المحكوم بدوره، بتعدد واختلاف المذاهب والفرق والمدارس المتعددة.. هذا عدا وجهات النظر المستقلة التي عبرت عن نفسها من خلال أطروحات العديد من المفكرين والعلماء المسلمين المعاصرين، كجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وجمال البنا بالنسبة للسنة، وكالخميني وعلي شريعتي وعبد الكريم سروش بالنسبة للشيعة. الخلاصة أن مجموعة المفاهيم المستلهمة من النصوص المقدسة وما ينتج عنها من تطبيقات على أرض الواقع فيما يخص مسألة الحكم، تظل في النهاية بشرية وليست إلهية، على اعتبار أن آلية الوحي انقطعت بمجرد انتقال الرسول عليه وآله الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى.. وعلى اعتبار أن النصوص المقدسة نفسها لم تؤسس لنظام حكم واضح المعالم يغني البشر عن مشقة الاجتهاد والتأويل في هذا الشأن. وحتى نبتعد عن التجريد قليلا، فإن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة لم يحددا آلية أو مجموعة من الآليات لانتقال السلطة التي تعد واحدة من أهم الركائز التي تقوم عليها بنية الأنظمة السياسية. كما أن مصادر التشريع الرئيسة لم تحدد طبيعة عمل مؤسسات الدولة، ولم تضع مبادئ خاصة بإقرار آليات محددة للمحاسبة، ولم تعمل على إقرار نظام اقتصادي بعينه. مما يعني أن القرآن الكريم لم يكن بمثابة إعلان دستوري ضامن لتحقيق مبدأ أو نظرية الحاكمية.. وهذا في حد ذاته ليس عيبا في القرآن الذي وضع مجموعة من المبادئ العامة والخطوط العريضة التي تسمح للناس باستلهامها، بل هو تكريم للإنسان وثقة في قدرته على الفهم والإبداع باعتباره المخلوق المكرم بالاستخلاف والممتحن بالتكليف الذي يقتضي وجود إرادة حرة هي مناطه ومبرره. الآن وبعد أن وصل الإخوان المسلمون في مصر إلى سدة الحكم، سيكون عليهم طرح مشروع وطني للتنمية، إضافة إلى رؤية استراتيجية تتعلق بدور مصر في المنطقة وفي العالم أجمع. ليس هناك شيء اسمه الحاكمية في الواقع.