لم يعد مقبولاً أن يتأخر القاضي عن عمله إلى الساعة العاشرة وما بعدها في هذا العصر. فهو ليس مُحتسباً يتفضل على الناس بجزء من وقته الثمين؛ بل موظف لدى الحكومة وله مرتب كبير جداً وميزات لا يحلم بها أي مواطن، وإن كان بعض القضاة يعتقدون أن الحصانة التي يتمتعون بها تُبيح لهم ما يقومون به من تعطيل للمصالح العامة، وعدم التزام بحضور الجلسات وإنجاز القضايا؛ فهم يعيشون خارج الحياة ولا يعلمون شيئاً عما يدور حولهم من حراك اجتماعي سهل وسريع. الحصانة أعطيت كحماية للقاضي في الأصل لكن يبدو أنها تحولت عند بعضهم إلى مخرج نظامي لممارسة العمل بفوقية ومزاج لا يصفو للناس أبداً؛ ليتذكر السادة القضاة أنهم لم يصلوا إلى مناصبهم بتزكية صلاح وتقوى كما كان يحصل في صدر الإسلام؛ فنحن لم نسمع أن متخرجاً هرب في عصرنا من القضاء تعففاً وإبراء للذمة. فإن كان غالبية القضاة وصلوا إلى مناصبهم بجدهم وكفاءتهم، فإن هناك من حفيت قدماه وهو يبحث عن واسطة ترفعه إلى المنصب الكبير! فلماذا هذه الفوقية ممن تحقق حلمه ونجح في الوصول بالواسطة؟ إذا كان بعض القضاة يأنفون من خدمة المواطن، وحل قضاياه بسرعة فليرفعوا مشكورين طلباً جماعياً لولي الأمر بإنشاء محاكم مدنية كي نحتكم إليها ونريحهم ونستريح، وحينما أقول بسرعة فأنا لا أعني بالطبع سرعة الضوء ولا الصاروخ، وإنما أعني سرعة العصر المعتادة التي لا تؤخر معاملة لعام أو عامين، ولا تضعها في الدرج ريثما تمر السنون ويأتي الورثة لإكمال الرحلة!