هذه الأيام من تحدث عن حقوق المرأة لا يُلام، ولكن قديماً كان هرطقة وضلالاً. ولولا نساء ورجال كافحوا لهذه القضية وماتوا لم يتمهد الطريق لمثل هذه الأفكار والممارسات. (قرة عين) الفارسية نموذجاً وصفها عالم الاجتماع العراقي الوردي بأنها كانت تملك أربع صفات لو كانت واحدة منهن في امرأة لكفت؛ الجمال الباهر الخارق، والحجة البالغة، والخطابة الرفيعة، والشخصية القوية المؤمنة. ومن بريطانيا خرجت السيدة (بنكهورست) لتنادي بحق التصويت عام 1912م فضربتها الشرطة البريطانية في المظاهرة قتلاً. وفي فرنسا لمع نجم جان دارك، ومن أمريكا الطيارة (إيرهارد) العجيبة التي ماتت غرقاً بسقوط طيارتها في عرض المحيط في ظرف غامض؟ ولكن بدايات هذه الفكرة جاءت من أرض الإنجليز حين صدر كتاب (الدفاع عن حقوق المرأة A vindication of the Right of Woman) الذي نشرته مجلة بيتر موسولايتنر التي تختصر نفسها بحرفين (P.M) في معرض ذكر الكتب التي غيّرت العالم، فما هي قصة هذا الكتاب؟ ومن هي صاحبته؟ صاحبة الكتاب ماري فولستون كرافت (Mary Wollstonecraft) سيدة بريطانية عاشت في القرن الثامن عشر (ولدت في لندن 1759) ولم تعمر طويلاً فقد ماتت عام 1797 في ظروف ولادة ابنتها التي أخذت اسمها (ماري). ولدت في أسرة محطمة من أب أدمن شرب الخمر وأذاق الأطفال شر العذاب. مات السكير ولحقت به الأم؛ فأصبح الأطفال أيتاماً في دار اللئام، فلم تيأس وتقنط وتستسلم بل عكفت على نفسها تهذيباً وكفاحاً، ولم تفضل أن تعمل كيفما اتفق؛ بل هذبت نفسها بالثقافة، واتصلت بأدمغة ذلك العصر مثل الطبيب (صامويل جونسون) والفيلسوف (ريشارد برايس) وظهر كتابها في عام 1787م بعنوان أفكار حول تربية البنات، مما جعل الناشر (جوزيف جونسون) يعرض عليها وظيفة مترجمة، واتصلت في عصرها بالأفكار الراديكالية في الجو الملتهب للثورة الفرنسية فكتبت من جديد بحثاً حول حقوق الإنسان في عام 1790م (قارن الثورة الفرنسية 1789). أخيراً كرست نفسها للعمل الذي وهبت حياتها من أجله حول حقوق المرأة الذي تقول فيه أنا أحب الرجل شريك حياتي لكن بدون سيطرته. ولم يكن سهلاً في ذلك الوقت أن يقول أحد بمساواة الجنسين في الحقوق والواجبات (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف). حيث طالبت بالعدل في العمل والتربية للجنسين. وسرعان ما ترجم كتابها لعديد من اللغات. وبالطبع فلم تنجُ من العداوات ووصفت بالضبعة في معطف ناعم. أخيراً ماتت في الوضع بابنتها في عمر 38 التي أخذت اسمها ماري. لا أحد يذكرها اليوم. لكن ابنتها ماري مشت في طريق والدتها وكتبت الكتاب الذي يعرفه كل العالم، ومازال يطبع ويقرأ حتى اليوم، ومثلته هوليود أفلاماً؛ إنه (فرانكنشتاين) بقلم ماري شيللي.