مائة ألف مكتئب في السعودية والرقم مرشّح للزيادة، هذا ما اعلنه مؤخرًا أحد المؤتمرات الطبية ونشر في الصحف المحلية، وآخرها مؤتمر اليوم العالمي للصحة النفسية لعام 2012م، تحت شعار «الاكتئاب أزمة عالمية». ولكونه أزمة عالمية يلزمنا البحث في العوامل التي أحالت مرض الاكتئاب النفسي أزمة مرضية عالمية، جعلت أكثر من 450 مليون شخص مصابين باضطرابات نفسية، منهم 350 مليون يعانون آثار مرض الاكتئاب، و350 لا أظنها عددًا يسيرًا على الإطلاق، إذا ما قورنت بإجمالي المرضى النفسيين عامة! بالتأكيد تختلف الأسباب المؤدية لمرض الاكتئاب النفسي باختلاف ظروف وثقافة وأوضاع المجتمعات، بل إن سببًا في مجتمع ما قد لا يكون مسببًا لهذا المرض في مجتمع آخر، وهذا طبيعي بالعودة إلى مستويات الوعي لدى أفراد كل مجتمع، بالإضافة إلى تفاوت مواقفهم من القضايا الاجتماعية المطروحة، واختلاف ما يُمليه المجتمع من تعليمات ونظم. بالتأكيد تختلف الأسباب المؤدية لمرض الاكتئاب النفسي باختلاف ظروف وثقافة وأوضاع المجتمعات، بل إن سببًا في مجتمع ما قد لا يكون مسببًا لهذا المرض في مجتمع آخر، وهذا طبيعي بالعودة إلى مستويات الوعي لدى أفراد كل مجتمع، بالإضافة إلى تفاوت مواقفهم من القضايا الاجتماعية المطروحة، واختلاف ما يُمليه المجتمع من تعليمات ونظم. في الشأن السعودي، يا ترى ما المثيرات والمحفزات الحقيقية المسببة لهذا الكم من المكتئبين! وهل نعتبرها ضغوطًا ذات طابع اقتصادي، أم ضغوطًا ذات طابع اسري، أم ماذا بالضبط!!، أحد المختصين يرى أن الفقر والبطالة، والتنشئة الأسرية والعلاقات الزوجية المضطربة، والعلاقات غير الحميمية مع الأبناء، وعدم اتفاق الانساق الاجتماعية كالمدرسة والشارع وبيئة العمل والأسرة، فضلًا عن الكوارث الطبيعية والحوادث المختلفة.. أسباب مؤدية للاكتئاب السعودي. من الملاحظ أيضًا تركيز المختصين على المرأة السعودية، فيضعونها في النطاق الأوسع المصاب بهذا المرض، وأن رجلًا سعوديًا مصابًا بالاكتئاب يقابله سعوديتان مصابتان، وأبرز الأسباب الطلاق، والعنف، والتحرش، والتسلط الذكوري وما إلى ذلك. في وجهة نظري الشخصية ومن سياق قراءاتي المتعددة في أسباب الاكتئاب السعودي لم ألحظ اختصاصيًا واحدًا تحدث عن سبب مهم ورئيسي، ينتشر كالهشيم بين أفراد المجتمع السعودي، سأسمّيه الأقنعة الاجتماعية المتراكمة على الوجوه، أقنعة كثيرة نعيش بها حياتنا اليومية، ونحملها في جيوبنا كما نحمل النقود، فباتت تشكّل شخصياتنا المتناقضة حتى مع نفسها، فلا غرابة في أن تجد السعودي بشخصية في منزله ومع أفراد اسرته، وبشخصية أخرى في مجال عمله، وبشخصية ثالثة مع أصدقائه الخاصين، وبشخصية رابعة مع النخب المثقفة، وبأخرى مع جيرانه. وهذه الأقنعة لها صفة الطواعية وسرعة التغيير، فهي من السهولة بمكان أن تُرتدى في اليوم الواحد ألف مرة ومرة، وتتشكّل بحسب البيئة والظرف التي توضع فيه. على سبيل المثال تجد السعودي في الداخل حين تضغط عليه تقاليد المجتمع واعرافه الصارمة يرتدي القناع الذي يناسبها كي ينال رضاها ويحوز قبولها، وفي الخارج يرتدي قناعًا آخر، تحيله بين ليلة وضحاها شخصًا مرنًا تمام المرونة عما كان عليه في الداخل، فلا مانع لديه من الأكل في الأماكن المختلطة بمرافقة أفراد أسرته أو بدونهم، ولا مانع لديه من دخول المسرح والسينما واعتبارهما مجالًا للترفيه والتثقيف، ولا مانع من القيادة بانضباط واحترام تام للقوانين المرورية، وقِس على ذلك الكثير. أقنعة متنوّعة كتلك، وبكل ما يتبعها من تحوّلات نفسية ألا تعتبر سببًا رئيسيًا في خلق شخصيات غير مستقرة نفسيًا؟ مجرد سؤال أطرحه للمختصين في مرض الاكتئاب!!