حين يدخل الدين من الباب إلى "الديمقراطية" تخرج "السياسة" من الشباك! هذا ما نشاهده الآن في مصر، الدولة العربية الأكبر من حيث نسبة السكان والأكثر تأثيرا ببعدها التاريخي والسياسي، فمحمد مرسي خلال خطبته التي نقلتها القنوات الإخبارية الجمعة الماضية رمى بالسياسة من الشباك وهو يؤكد ما أعلنه من قراراته الصادمة التي أقلقت ليس المصريين فقط؛ بل حتى المجتمع الدولي، فقد منح نفسه صلاحيات لم يجرؤ مبارك أن يمنحها لنفسه! وكنتُ أتأمل عباراته المرتجلة في خطبته: "أنا لن أسمح.. إنني أغض الطرف.. إياكم.. إني له بالمرصاد.." كانت هذه كافية لتنهي ما أسماه العرب بالربيع العربي في مصر، فلا يغيب هنا ما تشي به الخطبة من "أنوية تسلطية" لا تمثل الثورة وأطيافها المتعددة بل تمثل الرئيس وحده وجماعته، وكان الأجدر به أن يقول "نحن.. إننا.. معا.. إلخ" كما أنه لم يتجه إلى المعارضين في ساحة ميدان التحرير بل إلى المؤيدين، فهل هو رئيس لهؤلاء دون الآخرين! والأجدر به وهو رئيس كل المصريين أن تكون كلمته عبر التلفزيون المصري الرسمي، فلا يُحسب على فريق دون الآخر! أما المقلق في خطاب الرئيس تلك اللغة الصريحة بالتخوين لمن يختلفون معه، لا أعلم كيف تذكرت كلمات مبارك والقذافي وهو يتحدث عن البلطجية المخربين، ثم ماذا يعني حين يقول: "لا يقلقني أن تكون هناك معارضة قوية، بل أريد معارضة قوية حقيقية"، فما هو معيار صدق المعارضة لتكون حقيقية قوتها في معارضته أم قوتها ثم الخضوع له؟ ولكن الشعرة التي قصمت ظهر "الديمقراطية" هو تشكيكه في القضاء، والقضاء هو السلطة النافذة حتى عليه وهو رئيس، إنها القانون الذي يعلو الجميع، لكنه الآن بعد قراراته بات هو فوق القانون! وأستغرب أنه شكك في القضاء المصري ونزاهته بينما هذا القضاء نفسه الذي أعلن فوزه رئيسا منتخبا رغم فارق الأصوات الضئيل بينه وبين شفيق! فلو كان غير نزيه لما كان هو الآن رئيسا! ولم يكن مفاجئا أبدا إصدار هذه القرارات التي تمنحه الحصانة، لقد كانت ستأتي بعد قراره بتحييد المجلس العسكري الحاكم سابقا، ليمتلك السلطة التنفيذية والتشريعية، والآن بات وجماعة الأخوان المسلمين يمتلكون أيضا السلطة التأسيسية، طبعا هذا كله في ظل تأزمات ولادة الدستور الذي يعاني مخاضا عسيرا وربما يحتاج إلى ولادة "قيصرية" أخشى أن من سيجريها هم الإخوان فقط تحت ولاية المرشد! حقيقة ما أشبه ما نراه اليوم في مصر بما حصل عام 1979 في إيران حين أسقطت ثورة الشعب الإيراني "الشاه" ثم اختطفها رجال الدين بسرعة متفاقمة، فتحولت الديمقراطية "الحلم" إلى ديموقرادينية "كابوس" يعيشه الإيرانيون حتى اليوم! فهل المصريون سيحققون الحلم أم الكابوس بولاية المرشد؟! سؤال سيجيب عنه ميدان التحرير.