منذ تنحي مبارك في 11 شباط (فبراير) 2011، وكثير من الثوار في مصر وبعض من الليبراليين واليساريين يروجون في الإعلام أن الخوف من الإخوان ديباجة كاذبة من النظام السابق، الذي استخدم الإخوان «فزاعة» يرعب بها الشعب عن البديل المتوقع «جماعة الإخوان». وبعد أكثر من عام على رحيل النظام، وإطلاع الشعب المصري على سياسات الإخوان على الأرض، بدءاً من الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 19 آذار (مارس) 2011، ثم تلاها انتخابات البرلمان بغرفتيه، مجلسي الشعب والشورى، التي بدأت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، وحاز فيها الإخوان على ثقة وأصوات 66 في المئة من المصريين، استطاع المصريون تقويم أداء الإخوان عبر التصريحات والمواقف والأداء البرلماني غير المقنع. في الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي قامت بها لجنة يرأسها المستشار طارق البشري، (إخواني الهوى)، قام الإخوان بحث الناس بأن التصويت بنعم واجب ديني، وتسييس الدين استمر أيضاً في حملاتهم الدعائية لانتخابات الشعب والشورى، والإخوان الذين زعموا كونهم جزءاً من الثورة، تخلوا عن الثورة فور أن حصلوا على جزء من السلطة وهو البرلمان، وذلك عبر تصريحاتهم بأن: «السلطة للبرلمان لا للميدان». يذكر المصريون حينها تعهد الإخوان بعدم تقديمهم لمرشح لمنصب رئاسة الجمهورية، كما قالوا في بيانهم الصادر في 6 - 2 - 2012: «لن نرشح أحداً من الجماعة للرئاسة، ولن نزاحم أحداً، ونسعى لاستعادة الشعب سيادته وحقوقه واحترام إرادته واختياره»، بل وتنصلهم من أي شخص يرغب في الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، ما اضطر عبدالمنعم أبو الفتوح للاستقالة من الجماعة، بل وغيابه عن فطور الجماعة الرمضاني للمرة الأولى. ومن خلال سلطة البرلمان قام الإخوان بهجوم على السلطات الأخرى كالحكومة، ومحاولة إسقاطها، أو تغيير وزراء فيها قبل شهر من انتخابات الرئاسة، وقد ركزوا على الوزارات ذات العلاقة بالانتخابات، وهي الداخلية والعدل، على رغم أن وزارة الجنزوري ينتهي عملها قانونياً بانتخاب رئيس، ويقوم الرئيس بعدها باختيار رئيس وزراء. وقد قام أيضاً الإخوان بمهاجمة السلطات القضائية، عبر الاتهامات المستمرة لنزاهة القضاء المصري، ثم التهجم على اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة، ما حدا باللجنة لتجميد عملها، وكذلك رداً على «الانحراف التشريعي» من البرلمان بإصدار مقترح بإعادة تشكيل المحكمة الدستورية، ولما لم تؤدِ حملات الإخوان بالتشويه لأي جهاز مبتغاها، انتقل منهج الإخوان إلى التعطيل والتضييق واستخدام السلطات المتاحة، فعبر البرلمان تلكأ الإخوان في إصدار قانون استقلال القضاء، بعد فشلهم في السيطرة على القضاء كسلطة أرادوا ضمها لسلطاتهم. وفي نيسان (أبريل) الماضي قام مفتي الديار المصرية بزيارة للقدس، قامت بعدها الدنيا ولم تقعد، وثار السلفيون والإخوان خصوصاً واعتبروا الزيارة تطبيعاً مع إسرائيل، وبالطبع فالمفتي صوفي، وغالبية الأزهر إما صوفيون أو سلفيون، فبالتالي روج الإخوان لوجوب استقالة المفتي وانتخاب مفتي جديد، سيكون غالباً سلفياً من التيار الحليف لهم، وبذلك يضم الإخوان السلطة الدينية الوازنة في مصر إلى سلطاتهم وتحالفاتهم. إذن فالإخوان ببراغماتيتهم التي تنشد السلطة وتضع الحاكمية المبتغى الأول، وتتجسد في أدائهم السياسي ورغبتهم الواضحة في السيطرة على كل أركان السلطة من تشريعية وقضائية ورئاسية، ثم حكومة الغالبية لاحقاً، كما أن خطابهم كلما زادت سلطتهم تحول للغة استعلائية وانتقامية، كما صرح مرسي بعد نتائج المرحلة الأولى من انتخابات الرئاسة: «سندوس بالأحذية على كل الفلول»، إذاً من يرغب في رئاسة كل المصريين يعلن أنه سيطأ جزءاً من الشعب قبل أن يحكمه. إن الانخفاض الكبير في الأصوات التي منحها المصريون للإخوان في الانتخابات البرلمانية، ثم في الانتخابات الرئاسية، والذي يصل إلى 50 في المئة، يدل على وعي الناخب المصري بأن مشروع الإخوان هو إعادة ترسيخ لنظام مبارك، فالإخوان عبر أدائهم عموماً وأدائهم في البرلمان خصوصاً الذي كان من دون المأمول من الشعب، كذلك مؤشرات مشروع الإخوان الذي يقوم على ترسيخ كل القيم التي ثار عليها الشعب من احتكار للسلطة واستبداد بالحكم، والقضاء مرة أخرى على أمل تداول السلطة، واستغلال الديموقراطية للوصول للحكم من دون تقديم أي ضمانات للأقليات. اللافت أن نسبة التصويت للإخوان من مصريي الخارج أعلى من مصريي الداخل، بل إن مرسي خارجياً حصد تقريباً ما يعادل أصوات الأربعة مرشحين الذين يلونه، وهو مؤشر على أن مصريي الخارج ربما يطمحون إلى أحلام وردية بصبغة أردوغانية، لكن من يسكن مصر ويشاهد أداء الإخوان خلال عام ونصف العام لم يعد يثق بخطاب الإخوان، وهذا ما يفسر الانخفاض الكبير في أصواتهم بين البرلمانية والرئاسية، بل وتدني التعاطف معهم من القوى الليبرالية واليسارية امتداداً للثوار. إن ترشيح مرسي لحكم مصر هو أخذ بيدها إلى النموذج الإيراني، إذ يكون رئيس الجمهورية الذي يأتي بالديموقراطية لديه مرجعية لمرشد، يكون حقيقة هو المرجع للشعب وصاحب القرار، كما أن هذا المرشد يأتي عبر اختيار مؤسسة دينية لا عبر اختيار الشعب، كما أن منح السلطات جميعاً للإخوان وتسليم مصر للمرشد - كما قال العوا ومفكرون آخرون - هو منح سلطة مطلقة للإخوان، والسلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة، كما يقول المؤرخ الإنكليزي لورد أكتون. * كاتب سعودي. Aitrairi@