الحرب الإلكترونية في العالم أمر «كان» يبدو بعيدا عن مرابعنا، لكنها لم تعد كذلك. كانت تدور بين الولاياتالمتحدة والصين وروسيا حين شنتها الأولى. إلا أننا اليوم نعيش حرباً إلكترونية جديدة الملامح في الشرق الأوسط. حروباً قد تكون بنيات سياسية، وحروباً أخرى قد تكون بنيات فردية محددة الهدف أو غير محددة نطلق عليها عرضاً مسمى «القرصنة». حروباً لها أذرع واضحة على مستوى دول بين كل من الولاياتالمتحدة، وإسرائيل، وإيران، في المنطقة، وقد تطول أي حليف لأي منهما، وقد تكون لها أذرع أخرى لم تظهر علنا بعد، أو أخرى فردية بدوافع شخصية انتقامية أو حتى بحثا عن مصلحة. يستعد العالم الآن لمواجهة أعداء غير معلنين، وفي أوقات ومواقع غير محددة، غالبا ما تعصف بالاقتصاد، وتدمر الشبكات والبنى التحتية، وتسرق المعلومات. لطالما كان يتحفظ المسؤولون الأمريكيون في الخوض علنا عن برامج الهجوم الأمريكية (Cyberwarefare)، حتى بعدما شنت الولاياتالمتحدة هجمات إلكترونية على البرنامج النووي الإيراني، وأنشأت وزارة الدفاع الأمريكية ما يسمى «القيادة الإلكترونية» (Cyber Command). ويبدو أن المسؤولين الأمريكيين يميلون إلى الحديث عن الدفاع الإلكتروني ك «رد فعل»، دون التطرق إلى الهجوم ابتداء. إلا أن الإعلان عن «الخطة إكس» التي تتبناها أمريكا حول ذلك، يعتبر «نقطة تحول» بشأن سرية الحرب الإلكترونية. تُبدي أمريكا انفتاحا متحفظا في حديثها الآن. وإذا كان بعض الخبراء يرون أن مزيدا من الانفتاح سيسمح لها بوضع «قواعد قانونية وأخلاقية عالمية في مجال الحرب الإلكترونية» هي الحرب الحديثة نسبيا، إلا أن بعضهم يعارض هذا الانفتاح خشية أن يؤدي كشف هذه الخطط إلى تغذية سباق التسلح العالمي. نحن موعودون إذاً بحروب من الصعب تدارك تبعاتها، إلا بخطط وتحرزات دقيقة غير مضمونة تماما. هذه الحرب الجديدة لا تحتاج إلى أرض معركة، لا أسلحة، ولا خسائر بشرية. وقد حذر بانيتا وزير الدفاع الأمريكي في خطاب له مؤخرا: «هذه الهجمات علامة على تصعيد كبير، لقد جددت المخاوف بشأن السيناريوهات التي نحن بصدد اكتشافها، التي قد تكون الأكثر تدميرا». تحقق إيران تقدما سريعا في هذا الشأن، هي اللاعب الخطر الجديد، وهذا ما يثير قلق كل من أمريكا وإسرائيل تحديدا. إيران تحت ضغط عقوبات اقتصادية مفروضة، ولا يستبعد أن تلجأ لذلك كرد انتقامي، فهي تريد إثبات قدراتها على إرباك الحياة في الغرب ليقدّر تبعات أفعاله بها. هذا ما يعتقده بعض خبراء الأمن، رغم عدم توافر أدلة مباشرة على ضلوع إيران في الهجمات. إنها ليست سوى تكهنات واستنتاجات غير مبرهنة. نحن ندرك تماما كيف تبدو الحروب العسكرية المسلحة البرية والبحرية، لكن أدوات حروب الفضاء السايبري غير مُدركة. وبرغم صعوبة تحديد الفاعل حتى الآن، ماذا لو تم تحديده بالفعل، كيف سيكون الرد؟ أسئلة كثيرة نعيش تجربتها الجديدة في هذا العالم المتقدم. وإن كنا نستطيع القول إن الهجمات الإلكترونية التي تمت هي، بطبيعة الحال، محدودة العواقب، فما هو الرد المناسب للهجمات الإلكترونية «الكبرى»؟ ثمة تساؤلات شبيهة تطرح خلف الأبواب المغلقة في الإدارة الأمريكية: هل سيكون ردا عسكريا، أم ردا إلكترونيا شبيها، أم تسمية الفاعل وفضحه، أم فرض عقوبات، أم لا رد بالمرة؟ حتى الساعة، لم نشهد مواجهة صريحة مُعلنة إثر هجوم إلكتروني، أو رد صريح، لفاعل ما أو دولة ما إثر هجوم إلكتروني. كلها استنتاجات. أو ربما يكون في ذلك «غموض» تتطلبه الحرب الإلكترونية في لعبة الهجوم والرد، في حال ثبوت الفاعل. كل ذلك أمر وارد. يعرف الهجوم المسلّح في الفضاء الإلكتروني أنه الهجوم الذي ينتج عنه وفيات وجروح أو تدمير كبير، لكن «الضرر الاقتصادي» وحده لا يمكن أن يُعد هجوما مسلّحا ضمن تعريفات الحروب المسلحة الصريحة، وإن كانت البيانات المفقودة «ثمينة» ولا تعوّض، هذا ما شرحه مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية مؤخرا، في إشارة إلى ما تعرضت له شركات النفط الخليجية كمثال. فالدمار هو «الدمار المادي شأنه شأن إلقاء قنبلة أو صاروخ». ويجب أن يكون الدمار مشابهاً لذلك، ليُعد هجوما عسكريا «إذا كان الهجوم وصل إلى هذا الحد فبإمكان البلاد الرد دفاعا عن النفس. لا توجد تصنيفات وخارطة طريق حتى الآن تقدمها أمريكا للعدو المفترض لتحدد نوع الهجوم»، يقول مسؤول من وزارة الدفاع الأمريكية. أمريكا تريد بالفعل أن تكون المسيطر الأول، لكن أجهزتها ومصارفها وأنظمتها التقنية تتعرض لحروب إلكترونية هي الأخرى. حروب غير مباشرة للحكومات «سياسيا «بل إلى أجهزة حيوية تطول مدنيين، في صورة تكتيك جديد. والأمر الأهم والأخطر هو ظهور «شبكات إلكترونية وطنية» بعيدة عن عمل الشبكة العنكبوتية العالمية، ظهرت بها إيران كمثال في المنطقة. فكيف تكون الحرب وكيف تكون المواجهة؟ وهل يتطور تكتيك هذا النوع من الحروب ليكون معلنا، صريحا ومباشرا؟ وهل تطرأ تغيرات جديدة على المشهد العام؟ إنها أسئلة صعبة تنتظر إجابات أصعب.