«ترى الأمير فلان يسلم عليك».. هكذا يدحرجها القائل إلى سمع متلقيها، بنيات مفخخة ومقاصد معروفة الأبعاد عند قائلها. عند ذلك... ينفرج وجه مستقبلها بابتسامة بلهاء، وترتسم على محياه الساذج خطوط البهجة الغبية. وتتسارع أنفاسه دون إدراك، ويخامره خليط من الشعور بالخيلاء والتباهي. فما أعظم أن يخصك الأمير فلان بالسلام! فلا معنى لذلك إلا أنك شخص مهم لديه، أو على أقل الفروض محفوظ في ذاكرة سموه الكريم على الرغم من كثرة مشاغله، وما يقابله يومياً من بشر إلا أنه لايزال يذكر فلاناً الذي قابله مرة أو عدة مرات، أو قرأ له في مناسبة ما... أما إذا أضاف الناقل بعد السلام بعض «التحابيش» مثل «ترى سمعتك عند الأمير زينة»! أو «أنت مذكور عنده بالخير»! أو «ترى ما ييجي ذكر طاريك إلا يمدحك»! فعندها تصل «بلاهة» المتلقي حداًُ تصعب السيطرة عليه... أما إذا أحب «الناقل» أن يزودها بقوله: «ترى الأمير مبسوط منك كثير».. فعند ذلك تختلج جميع أعضاء جسم المتلقي، وتنفرج كل أساريره منتثراً زهواً محلقاً وطرباً مغنياً، وخيلاء مجنحة... ويصبح فريسة سهلة لتمرير الرسالة المطلوب إيصالها من الناقل الذي عميت عنها بصيرته القاصرة! فالرسالة هنا أوضح من أن تغيب عن إدراك الحصيف، فهو يكتب سطوره بسهولة في ورقة هذا المسكين ومفادها: «تراني واصل.. وأنا جليس أو صديق لهذا الأمير وموضع ثقته»!. وقد تتعدى الرسالة إلى التخويف المبطن إذا كان إيصال الرسالة قد شابه شيء من اختلاف ولو طفيف من وجهات النظر! عندها يكون للرسالة المنقولة اتجاه واحد يقول: «اسمع كلامي واحسب حسابك ولا تتخطاني»...! وقد تنطوي الرسالة على أبعاد أخرى في صيغة طلب معين يسعى لتنفيذه من خلالك... الخ! والمتلقي كالمأخوذ يلبي ذلك الطلب تحت مظنة إرضاء الأمير!. هذا أسلوب انتشر في المجتمع من بعض المتملقين الذين استغلوا دخولهم وارتيادهم واستقبالهم في بلاط أصحاب السمو الأمراء أو الوزراء لتنفيذ أغراض خاصة، بالذات عند شعورهم بأن الضحية قد يعجز عن مقابلة هذا المسؤول، وإن فعل فلن يستطيع أن يتأكد من مصداقية الرسالة التي وصلته شفهياً سوى أن يتطلع في أن عيني سموه عله يستشف منها حقيقة شعوره! عندها قد يصدم بالحقيقة المرة التي عجز إدراكه القاصر عن استيعابها! وفي بعض الأحيان قد تكون الرسالة من النوع السلبي مثل: «المسؤول فلان مو عاجبه بعض تصرفاتك»...! أو: «فيه شكاوى عليك»! أو: «خلِّي بالك وانتبه لنفسك وحسّن وضعك»! وبتصرف لا شعوري تطلب من أخينا الناقل النصيحة كيفية التصرف لإرضاء المسؤول خوفا على مركزك أو سمعتك، أو على أقل تقدير تفادي واتقاء ضرر أو شر قد يحدث.. وقد تبلغ الجرأة لدى البعض حد إيصال رسالة شديدة اللهجة والتعنيف على لسان مسؤول ما، مثل ما حدث معي في وقت مضى من قبل أحد رؤسائي، الذي أبلغني رسالة مفادها أن الأمير مستاء جداً مني وذلك بسبب تعميم داخلي يتعلق بدخول المرضى والمراجعين في الإدارة التي كنت أتولاها، الأمر الذي كان يحتم إلغاء ذلك التعميم وفق مضمون التحذير الذي بلغني... ولسوء حظ رئيسي فقد كان لدي من الجرأة أنني أصر على الاستيثاق من الرسالة التي وصلتني، وهو عين ما فعلته، حيث اتخذت طريقي مباشرة لسمو الأمير لمناقشته في أمر التعميم التنظيمي الذي أصدرته لإقناعه بجدواه، ولكنني فوجئت بأن سموه ليس لديه أي علم به! إن مثل هؤلاء المتملقين أصبحوا وجوهاً مكشوفة، لأنهم لا يحسنون التعامل إلا بهذه الوسيلة الرخيصة، وخاصة مع الأشخاص البسطاء... وحري بنا أن نفوت الفرصة عليهم بعدم الانخداع بما ينقلونه شفهياً حتى وإن كان مديحاً. فغالباً ما يخفي وراءه أغراضا أخرى. وأول درجات التحصين لاتقاء مثل هذه الشراك المنصوبة من قبل هؤلاء المتزلفين أن يؤدي كل واحد منا عمله بما يرضي الله ورسوله، وبما يحقق المصلحة العامة للجميع، ويتوكل على الله فإنه خير وكيل.. فعندها سيكون إطراء الأمير مجرد إشادة لا تبطراً، وانتقاده إن حدث فعلا من باب التوجيه لا التخويف. نسأل الله الهداية والتوفيق للجميع.