غاب عنا أهمية مشاركة المرأة في الشورى، وتهنا في أزقة التفرعات: هل ستكون المرأة في أعلى القاعة ويكون الرجال في أسفلها؟! أبلغ تشبيه يعتد به في وصف حالات التمايز والتناقض في المجتمع السعودي هو ذلك الوصف الذي قالت به الكاتبة المبدعة بدرية البشر، حيث شبهتنا بمجتمع من طابقين. راق لي هذا التشبيه، لأننا كمجتمع نعاني من الثنائية أو الازدواجية أو الطبقية.. جاء هذا التداعي إثر المماحكات وطرح الرؤى والتصورات لوضع المرأة بوصفها قد أصبحت عضواً في مجلس الشورى. غاب عنا أصل القرار وأهميته التاريخية، وتهنا في أزقة و"زواريب" التفرعات: هل تكون المرأة في أعلى القاعة ويكون الرجال في أسفلها؟! أم إن الأفضل أن يقتطع مربع مستقل من القاعة يكون للأعضاء النساء ولا "يوطوط" من حوله الأعضاء الرجال؟! وقيل إن الأحوط أن تكون المرأة في قاعة أخرى وأن تستمع وتشارك من خلال الدائرة "المحجبة".. وهكذا تتابعت الآراء حتى ظن البعض أنه يمكن للمتنطعين أن يطرحوا فكرة أن تشارك عضوة المجلس من بيتها عبر "المقلط" المغلق، ورأى البعض الآخر ممن حسبوا أن اقتراحهم كان الأحوط أن فكرة "المقلط" هي "الأغوط". لكن بعض غلاة المناطعة رأوا أن تشارك في حال وجودها في مبنى المجلس دون أن تتكلم، ولكن تعبر وتشرح وجهة نظرها من خلال الكتابة وإرسال مشاركتها لرئيس المجلس ليتولى قراءتها، لكن أحد المغالين لم يهضم هذا الطرح ورد بضرورة أن تشارك المرأة برأيها بلغة الصم والبكم، بما يحتم تدريب الأعضاء الرجال على استقبال لغة الإشارة وتدريب العضوات على الإرسال. والواضح أن الأمر استقر أخيراً على أن تشارك المرأة العضو في نفس القاعة، على أن يفصل "قاطع طريق" بينهم، لكنه قاطع آمن.. أي أن بينهم حجابا ظاهره الفصل وباطنه الصواب، لإعطاء المرأة العضو راحتها في الجلسة. نتوه دائماً في التفاصيل ونبحر في الحيثيات ونغرق في التفريعات ونمعن في اللوئيات (من لو). نترك الطريق المستقيم ونقتحم التحويلات، ونهمل الهدف الأسمى والأمثل من فكرة وجود المرأة المتعلمة والمثقفة والأكاديمية والخبيرة في الشورى للاستفادة من خبرتها وعلمها وتجربتها ومنحها فرصة نقل هموم المرأة واحتياجاتها، أماً وزوجة وأرملة ومطلقة وعانسا.. طالبة وعاملة وناقلة لهموم المرأة كعنصر مكمل للرجل، وكذلك الحال بالنظر إليها كناخبة أو مرشحة بلدية، وهي التي تقطن الحي أكثر من الرجال الشاردين الساهرين غالباً في الاستراحات. نعيش في عهد قائد المرحلة وملك التحولات.. عبد الله بن عبدالعزيز، حالة من تغيير الجلد وتجديده، بما لا يمس ثوابت العقيدة المتسامحة المتكيفة والصالحة للتعايش مع كل المستجدات في كل زمان ومكان. وبعيداً عن الغوص في الأحوط والأغوط والأورط أجدني منقاداً للقول إننا ننساق على نحو مبالغ فيه خلف العادات والمحاذير التي يستبطنها كل مواطن داخل نفسه، ليس إلا من باب الادعاء، وكل منا ينتظر الآخر لعله يعلق الجرس.. وأظن أن حالنا قابل للتطور من خلال الإرادة العليا التي تفرض واقع التغيير من خلال بسط القرارات المفصلية التي تنوب عن المواطن وتمهد له الطريق، باعتبار أن "الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".