أتلقى بين الفينة والأخرى بعض العتب لما يُعتقد أنه مبالغة أو تركيزٌ مني في الكتابة عن المرأة السعودية! بمن فيهم شقيقي وناقدي الأول «محمد». والذي أرجو أن يكون قد وجد -فيما يجري مؤخراً- ما يحمله على تفهّم موقفي. فإن كانت أميركا على مستوى وزارة الخارجية والكونجرس قد تصدت لقضايا المرأة السعودية! ورئيس الوزراء البريطاني وأعضاء البرلمان منشغلون أيضاً بها! والرئيس الفرنسي زار السعودية ليناقش قلقه الكبير حيال (الأزمة السورية والنووي الإيراني وأوضاع المرأة السعودية)! فكيف لا نتناول نحن شؤوننا من باب أولى؟! والحقيقة أنه بعد هذا التداعي والاهتمام منقطع النظير من رؤساء الدول الغربية الكافرة بالمرأة السعودية المسلمة! أعتقد أنه لم يبق إلا تحريك جيوشهم!! فقد سكتنا عن الضغوط والتدخلات السافرة لمنظماتهم ومؤسساتهم الحقوقية في أوضاعنا الداخلية. حتى جاء اليوم الذي ينتقل فيه تصعيدهم واقتحامهم قضايانا إلى قمة الهرم السياسي في بلادهم. ولا أدري ماذا بعد هذا؟! وما معنى احترام سيادة الدول وحقوق الشعوب وحرياتها في اختيار ما يناسبها ويحمي قيمها وثقافتها؟ وقد نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية قبل عدة أعوام تقريراً جميلاً -عقب تصريحات كوندليزا رايس ومبعوثة الرئيس الأميركي كارين هجيز عن حقوق السعوديات وإحداث التغيير- حيث قالت مراسلة الصحيفة في الرياض: «إن تلك التصريحات أحدثت إزعاجاً في أوساط السعوديات المشككات في التدخل الأميركي، وإنه يبدو أن الأغلبية من النساء في المملكة من المحافظات دينياً مما يظهر كذب ومغالطات مفهوم المرأة السعودية البائسة التي تنتظر التحرير! بل على العكس السعوديات يعتبرن الحجاب الأسود وعدم قيادة السيارة شكلاً من أشكال الحماية وجزءاً لا يتجزأ من الدين». وقد نقل التقرير رأي مجموعة من البروفيسورات السعوديات، ومنهن بروفيسورة علم الأحياء د. فايزة العبيدي من جدة التي قالت: «أعتقد أن المحاولات لتحرير المرأة على الطريقة الغربية ليست سوى جزء من حرب دينية وفكرية تقودها الولاياتالمتحدة وتستهدف النساء بصورة خاصة، لأنهن لب المجتمع لتصل من خلالهن إلى السيطرة على بلاد الإسلام». البروفيسورة -بحسب التقرير- أظهرت فخراً شديداً بدينها وبرفض التدخلات الغربية، وقالت وهي تشير إلى غطاء وجهها: «إن هذا لا يغطي على هذا وهي تشير إلى رأسها بأصبعها». أما د. سامية أدهم بروفيسورة علم الإحصاء فقالت: «هذا اختيار ونحن نختار أن نُحكم وفق أوامر وحدود الإسلام. سنُحدث تغيرات ولكن في إطار ديننا وبطريقتنا الخاصة». التقرير خلص -بعد لقاءات مكثفة مع عدد من الأكاديميات والعالمات السعوديات- إلى اعتزازهن بقيمهن وخصوصيتهن وسعيهن للدفاع عن حقوقهن التي شرعها لهن الإسلام. مع نبذهن لأي حلول مستوردة أو ضغوط دولية تفرض أجندة معينة تخالف توجه المجتمع. العجيب أنه رغم ظهور تحقيقات وتقارير نزيهة كهذا. إلا أن قلّة من بنات وأبناء البلد ما زالوا مصرين على تشويه الواقع والاستنجاد بالغربي. مع أن من فقد ثقته بنفسه وثقة مجتمعه به وعجز عن تقديم شيء ذي قيمة لن تنفعه تبعيته ولا استقواؤه بمن سيستغله ثم يلفظه. وما زال ذاك الغربي الذي فشل فشلاً ذريعاً في الداخل مصرّاً على دس أنفه في شؤون غيره. فبعد «رايس» كررت كلينتون الخطوة ذاتها وزارت المملكة واجتمعت بالمسؤولين وناقشت معهم بعض قضايا المرأة والتقت طالبات كلية دار الحكمة! المثير للسخرية أن إحصاءات العنف والتمييز وحجم المشكلات الصحية والنفسية التي تقع فيها المرأة الأميركية والبريطانية في ارتفاع مطرد وخطير. فكيف نثق فيما يقدمونه لنا وهو لم يجد نفعاً في القضاء على معاناة النساء لديهم. فهذا رئيس فرنسا العوراء «فرنسوا هولاند» لم يقلق بشأن الفرنسيات اللاتي تُقتل واحدة منهن كل 3 أيام. وتُغتصب أخرى كل ساعتين. فيما تُعد المرأة الفرنسية الأكثر عرضة للضرب بين نساء العالم في دراسة غربية حديثة. بينما يعلن قلقه من سوء أوضاع المرأة السعودية! أخيراً: فإن رفضنا للتدخل في أحوالنا الخاصة لا يعني إنكاراً لواقع يحتاج المزيد من الجهد والإصلاح. إنما يعني أننا نقول بشكل واضح وصريح وجريء للعالم: اشغلوا أنفسكم بهمومكم وقضاياكم وكفوا عنا أعينكم وأيديكم. فما شرعه لنا الخالق من حقوق. سننتزعه -بحول الله- بحكمة واتزان وإصرار لا يعرف اليأس.