لنضع هذا السؤال بشكل مباشر: لماذا لا تقوم الدول العربية باتخاذ إجراء حازم مشترك تجاه ما يحدث في سورية، على رغم وضوح أن تطورات الأوضاع هناك لا تصب في مصلحتها؟ وبشكل عام أكثر، لماذا نجد الدول العربية أقل حرصاً على العمل من أجل قضايا الأمة العربية من حرصها على العمل من أجل قضاياها الخاصة؟ هذا السؤال له بُعدان: بُعد أخلاقي، وبُعد سياسي، أما البُعد الأخلاقي، فهو أنه من واجب الدول العربية أن تقوم بعمل، ذلك لأنها - بصفتها دولاً عربية - تمثل الأمة العربية، والشعب السوري جزء من هذه الأمة، وبالتالي فإنه يقع ضمن نطاق مسؤولية هذه الدول أن تتخذ إجراءً حاسماً ومشتركاً لوقف الأعمال الوحشية التي تقوم بها قوات النظام السوري ضد الشعب. إلا أن ما يمنع هذا الواجب الأخلاقي من التحقق، وهذا هو البُعد السياسي للسؤال، هو وقوع الدول العربية في معضلة تُسمى ب«معضلة السجين». يمكن تلخيص هذه المعضلة في الآتي: لنفرض أن الشرطة قامت بإيقاف صديقين تشتبه بأنهما قاما باقتراف جريمة ما، ولكن الشرطة لا تملك الأدلة الكافية لإدانتهما، ولهذا لجأت إلى الخطة الآتية: قامت بعزل الاثنين عن بعضهما البعض، بعد ذلك، عرضت على كل واحد منهما هذا العرض: اشهد على صاحبك وستخرج حراً، الآن، كل واحد من هذين الشخصين يواجه المعضلة الآتية: فهو بين أن يخون صديقه ويفرج عنه ويتم سجن صاحبه عشر سنوات، أو أن يقوم هو وصاحبه بالتزام الصمت فيخرجان معاً بعد شهر من التوقيف. المشكلة هنا أن كل واحد منهما معزول عن الآخر ولا يوجد أي تواصل بينهما، ولهذا السبب، فإن القرار المتوقع من كل واحد منهما أن يسعى لتحقيق مصلحته الخاصة - أي الوشاية بصاحبه - عوضاً عن المصلحة المشتركة، أي أن يلتزم الجميع الصمت. هذه المعضلة قريبة من معضلة مجموعة من الشركات التي تقوم ببيع منتج واحد، فمن مصلحتها جميعاً أن تحافظ على مستوى محدد من العرض حتى تستطيع الإبقاء على الأسعار على مستوياتها، إلا أن كل شركة منها ستسعى لزيادة إنتاجها من أجل تحصيل ربح أكثر، اعتقاداً منها بأن ما تفعله لا يشكل تأثيراً كبيراً على الانتاج الكلي، ولكن نظراً لأن غالبية الشركات ستقوم بهذا التصرف فإن الانتاج الكلي سيزداد، وبالتالي ستهبط الأسعار. مثل هذا النوع من المعضلات هو الذي تواجهه الدول العربية، فهي كمجموعة تقوم بتمثيل الأمة العربية تقع عليها مسؤوليات ومصالح مشتركة، إلا أن كل واحدة منها تقوم بأعمال لمصلحتها الخاصة، تقوم في النهاية بالإضرار والتفريط بالمصلحة الكلية للجميع، وبالتالي بمصالح وقضايا الأمة العربية التي تقوم هذه الدول بتمثيلها. السؤال الآن يصبح: ما الذي يدفع أعضاء مجموعة ما بالعمل من أجل المصلحة المشتركة، عوضاً عن المصالح الشخصية المشتركة؟ إحدى الأجوبة تنطلق من حقيقة أننا نرى مجموعة من الأفراد يقومون - نتيجة اعتقاد وقناعة - بالعمل من أجل مصالح عامة لا علاقة لها بمصالحهم الشخصية، فعلى سبيل المثال، من يقوم بالتطوع في أعمال خيرية من توزيع صدقات وغيرها، فهذا يقوم بأعمال لا تعود عليه بشكل مباشر بالنفع، وبالتالي تكون الوصفة التي تقدمها هذه الإجابة وعظية أو توعوية في الغالب، تسعى لرفع وعي الأعضاء بالمصلحة العامة وتفترض أنه بمجرد وعيهم بها أنهم سيتوجهون إليها. الإجابة الأخرى تنطلق من أنه يوجد هناك قادة مجموعات من يقوم بخلط مصالحه الشخصية بالمصالح العامة، فيقوم بالسعي من أجل المصلحة العامة باعتبارها مصلحة شخصية بالنسبة له، كأن تقوم دولة كبرى بمكافحة غسيل الأموال في العالم، إنطلاقاً من أنها مصلحة خاصة بها، في هذه الحال يكون العلاج الذي تقدمه هذه الإجابة هو الانتظار، أي انتظار المخلص، أو الزعيم القائد الذي يخلط بين مصالحه الخاصة ومصالح الأمة العامة. إلى جانب هاتين الإجابتين تأتي الإجابة التي قدمها «أولسون» في كتابه «منطق العمل الجماعي»، ففي هذا الكتاب يؤكد أولسون على أنه فقط عبر الترغيب والترهيب - بالمحفزات والعقوبات - يمكن دفع الأعضاء للتنازل عن مصالحهم الشخصية والعمل للمصلحة العامة، فعلى سبيل المثال، جمعية المتقاعدين في أميركا حتى تستطيع أن تقوم بجمع عدد هائل من الأعضاء للعمل من أجل مصالح المتقاعدين العامة، فإنها تقدم باقة من المحفزات الخاصة بالعضوية كتخفيضات في المبيعات، ومطبوعات مجانية... إلخ، هذه الإجابة تفترض أن الأفراد يعملون من أجل مصالحهم الشخصية، وبالتالي فإنه فقط عندما يتم ربط المصالح الشخصية بالمصلحة العامة يمكن ربط الأعضاء بالمجموعة، ذلك أنه وهم كبير أن نتخيل أن الأعضاء سيعملون في المجموعة تلقائياً فور إدراكهم لمصالحهم العامة. هذا الحل الأخير هو أكثر الحلول مناسبة لوضع الدول العربية، إذ فقط عبر تقوية مؤسسة تضم جميع الدول العربية، وجعل الانضمام إليها ذا مزايا، ومنحها القدرة على معاقبة أفرادها، يصبح من الممكن على الدول العربية أن تقوم بعمل مشترك معاً في القضايا والمصالح المتعلقة بالأمة العربية، مثل هذه المؤسسة موجودة في أوروبا، متمثلة في الاتحاد الأوروبي، ويمكن أن يتم تطوير مؤسسات قائمة كجامعة الدول العربية حتى تصبح مؤهلة للقيام بهذه المهمة.