حين يُصْبِحُ الرأي العادي قضية، وعندما يقف اسمان للتصدي للرأي الواضح بِتُهَمٍ وشتائم وانفعالات وتأويلات وتفسيرات لا علاقة لها بالمطروح، فذاك يمد السؤال الصريح: هل هذه الأسماء قادت بالفعل المؤسسات الأدبية، وكانت فاعلة فيها ومحسوبة على الثقافة والأدب. سؤالي حتى لا يُساء التفسير، وأُسهم في ارتفاع مؤشرات الضغط، وإخراج احتياطي الشتائم، والاستعانة بالقواميس اللغوية لانتقاء قذائف الغضب، ينحصر في: أن المثقف الحقيقي حين يقرأ شيئاً لا يعجبه، أو يظن أنه يمسه وفق شكوكه وقدرته على القراءة وحبه للتفسير والتأويل، فإنه يَعْمَدُ لخطاب عقلاني وواعٍ ينم عن تأثير الثقافة عليه، ويمكن من خلاله قياس رغباته وطموحاته، وكشف نقاء لغته والمفردات التي يتكئ عليها حين تنتابه حال غضب. المعلوم عقلاً ومنطقاً أن الغضب يفتح باب المستتر من الصفات والمظاهر، ويوضح الملامح الحقيقية، ويُظْهر زوايا التفكير ومحطات الشكوك التي يُعْتَقَد أن الآخرين يرتادونها، وعلى قدر جَمَال المفردات وطريقة استخدامها يظهر نمو السيرة الذاتية وأحقية الشهادات العلمية. لن أخوض في ما يتعلق بالتهم الخطرة التي ساقها الأكاديمي السعودي صبيحة قراءته لمقالي «تحرير الأندية الأدبية»، لأن لها باباً ليس هذا مكانه، ولم أكتب لسردها ومن أجلها مباشرة، لكني أقف مصدوماً وراحماً ومتألماً وسعيداً في التوقيت ذاته، وكيف يصل الرأي الآخر المحسوب على الثقافة إلى هذه المساحة المُحْبِطَة البعيدة عن الرقي والوعي والنضج! مصدوم إلى حد رهيب في أن تكون هذه لغة أستاذ مشارك، ورئيس قسم لغة عربية في جامعة سعودية، تنتقي المؤهلين والهادئين والقادرين على تناول أي رأي بنضج كامل لقيادة الجيل وصناعة الرجال، وتأخذني رحمة كبيرة بأستاذنا الجامعي وصديقه التربوي، وأن يكونا في هذه السن، وبعد تجربتهما الطويلة في النادي الأدبي محملين بهذه الكمية من الشكوك، وممتلئين بعنف لفظي لا مبرر له، والأمر برمته لا يتجاوز كرسياً أدبياً ونشاطاً ثقافياً. متألم حد الانكسار أن يُضيع عليّ الأكاديمي وقتاً ثميناً - وأنا الذي لم تلتصق يدي بيده، ولم يحدث أن التقينا ولو لثانية واحدة - حين قرأت رده الإلكتروني، فنيابة عن أن أحصل على خلاصة تجربته، وخبرته الثقافية وإذا بي أستقبل رداً أشعرني بأن الأكاديمي السعودي لا يقبل الرأي الآخر، وإذا انفعل فإن الكلمات لا تتساوى معه على الخط وسيحضر ما قرب منها، ولن أدَعِي أنه يستعيد ثوبه القديم، لكني أظل باحثاً عن الميدان الذي تعلم فيه، فإن عرفته بَطُلَ عَجَبِي وألمي لكن ستبقى رحمتي، وسعيد لأن التربوي وشاعرنا الجنوبي ذا التعبير الجميل لم يقرأ لي وأنا الذي أكتب منذ خمسة أعوام في «رأي» الصحيفة، ورأى أنني أكتب تحت تأثير مصطلحات ولمسات الأصدقاء، إنما أعترف هنا - ولعله يعذرني - بأني ارتكبت خطأً مشابهاً حين لم أعرفه من قبل، وهو كما يقول صاحب حراك أدبي وشعري ل30 عاماً ماضية. سعادتي الختامية أن الصديقين الأنيقين «لغةً وطرحاً» تنفسا أخيراً في صحيفة سيارة بفضل رأيي الذي قرؤوه انفجاراً، وهجوماً صارخاً ليقفا كخط دفاع وهجوم في آن واحد من دون تسجيل أي هدف للثقافة والأدب، على رغم أني تمنيت في داخلي «للغتهما الباذخة» أن يبقيا في صفحات التواصل الاجتماعي. ثقتي لا حدود لها في وزيرنا الشجاع للوقوف على الحالات المعلولة التي يكشفها التشنج، وفرملة كل من اعتاد الخروج عن مسار الحوار وأدمن عدم احترام الرأي الآخر، لكي لا يعتقد الجيل الجديد المتفاعل مع مشهدنا الثقافي أن كراسي الأندية الأدبية تُفْقد التوازن، والغياب عنها يجلب الشتائم والاتهامات.