يقول جوزيف ناي في كتابه القوة الناعمة "جدار برلين قد تم اختراقه بالتلفزيون والأفلام السينمائية قبل زمن طويل من سقوطه في العام 1989م"، وهنا تكمن أهمية القوة الناعمة في تحقيق المصالح الدولية. إن القوة الناعمة تعتمد بشكل رئيس على الثقافة بشقيها العالي كالفن والآداب والتعليم وكذلك على مستوى الثقافة الشعبية في سبيل تحقيق صورة جاذبة للدول لتحقيق مصالحها وهذا ما يؤكد حرص الصين على تطوير صناعة النشر ومنظومة الأبحاث والتطوير لديها ففي الدورة 19 لمعرض بكين الدولي للكتاب - المنتهي قبل بضعة أسابيع - وقع خلال المعرض 3298 مذكرة تعاون استراتيجي بين دور نشر صينية وأجنبية بزيادة نسبتها 11.68% عن العام الماضي، وهو ما يعني أن الصين تسعى إلى تطوير إنتاجها الفكري وإلى غزو العالم ثقافياً مستقبلاً وهي قادرة على القيام بذلك خصوصاً وأن العولمة مكنتها من استقطاب الشركات العالمية للعمل في الصين كما مكنتها من توطين التقنية وهو ما حقق لها قدرة أكبر على المنافسة الدولية في المجالات الاقتصادية، وكذلك قدرة أكبر على التفوق والريادة في مجالات الأبحاث والتطوير ما مكنها اليوم من السعي لإطلاق مسبار إلى المريخ ما يعني أنها ساعية إلى الدخول إلى سباق الاكتشافات العلمية، وما ينطبق على الصين ينطبق على كوريا الجنوبية والتي بحسب وكالة أنباء كوريا الجنوبية انها أنفقت ما يقارب 45 مليار دولار على الأبحاث والتطوير في العام الماضي، مول القطاع الخاص ما نسبته 73% من إجمالي النفقات ما يعني كفاءة مراكز الابحاث الكورية في تحقيق أهداف تدشينها يحقق لها المزيد من التفوق والمزيد من القدرة على تصدير ثقافتها واختراق المزيد من الأسواق الدولية وهو ما يحتم علينا بالضرورة مراجعة واقع مراكز الأبحاث والتطوير ودعم تدشين مراكز الفكر في سبيل المساهمة بتطوير منظومة الأفكار وتوليد المزيد من براءات الإختراع وضخها في خطوط إنتاج للتمكين من المنافسة الدولية. ما يهمنا الآن وفي ظل ظروف الشرق الأوسط الراهنة هو تفعيل القوة الناعمة السعودية من خلال ضخ برامج تلفزيونية جماهيرية غير مستنسخة وإطلاق قنوات تلفزيونية ناطقة بلغات مختلفة كالتركية والصينية والإنجليزية بسياسة تحريرية بالطبع تختلف عن السياسة التحريرية العربية لتتناغم مع إدراك الشعوب ولإدارة السمعة والحضور بشكل جاذب ما يحقق الأهداف والتطلعات. أما على المستوى العالمي فالعمل على إبراز الثقافة السعودية بمساريها العليا والشعبية مهم فعلى المستوى الأول يمكن استهداف عدد من القنوات العالمية بإعلانات لمؤسسات ثقافية ومهرجانات ثقافية وتقنية عالمية نوعية إضافة إلى تفعيل دور معرض الرياض الدولي للكتاب لتكون تظاهرة ثقافية عالمية في برامجها من خلالها استقطاب نخب من الكتّاب والمثقفين العالميين وعقد المزيد من الفعاليات الثقافية وتنويعها حيث معرض بكين الدولي للكتاب شهد أكثر من ألف فعالية ثقافية ومعرض فرانكفورت الدولي للكتاب الذي سيعقد نهاية الأسبوع الجاري سيحتوي على 3200 فعالية ثقافية ما يعني أن قابليات التطوير والإبداع في الفعاليات الثقافية ممكنة لتحقيق حراك ثقافي ينعكس على الداخل والخارج لتحقيق أهداف الدبلوماسية العامة خصوصا وأن لدينا ميزة تنافسية تكمن في وجود أكثر من 130 ألف مبتعث ما يعني عقولاً قادرة على التفاعل الإيجابي مع التغيرات التقنية وما يصاحبها من تحولات اجتماعية ساهم انتشار الإعلام الأفقي في صياغتها، كل ذلك يحتم الاستفادة منها في اختراق مجتمعات أخرى بدلاً من الوضع الحالي الذي قد نكون عرضة للاختراق من جهات مغرضة، ولن يتحقق كل ذلك إلا بتحديد أجندة واضحة لمصادر قوتنا الناعمة والانطلاق لتحقيق مصالحنا الوطنية في المحيط القريب والبعيد وفي المدى القريب والمتوسط، فماذا أنتم فاعلون؟