ها قد مضى اليوم الوطني بكل ما فيه، وعلينا أن نعالج ما وقع من أحداث من جوانبها التربوية والأمنية والاجتماعية، فلعلنا نصل في الذكرى القادمة لمخارج أوسع وسبل أيسر وطرق أسلم للتعبير والمشاركة في هذه المناسبة جاء احتفال اليوم الوطني هذا العام صاخباً وضاجاً وممعناً في الوضوح من خلال المظاهر الاحتفالية الطاغية الظاهرة عياناً بياناً في شوارع المدن والقرى والهجر، بل الممتدة على الطرق الرئيسية والفرعية، كانت مناسبة الاحتفاء بيوم الوطن هذا العام فارقة بحشود الفرحين الذين سعى كل منهم للتعبير عن المحبة والولاء، إما بتغبير السيارة أو طلاء الوجه بالأصباغ، أو لبس الأردية الخضراء، أو حمل الأعلام، ومنهم من تفاعل مع الأغاني الوطنية التي تصدح بها سماعات السيارة، فأخذ يتمايل رقصاً وطرباً، ومنهم من انضم إلى مجاميع راقصة وشاركهم، لكن هناك من لم يجد ساحة أو مساحة للرقص فأوقف سيارته في عرض الشارع ونزل مع رفقائه ليرقصوا، مما حفز غيرهم للتجرؤ وإيقاف السيارة في وسط الشارع، ومشاركتهم التمايل على أنغام الموسيقى الوطنية، ومع تزايد المتعاطفين النازلين الراقصين فقد انغلق كثير من الشوارع وتعطل مسار كثير من الفرحين بيوم الوطن، لكنهم لا يجيدون الرقص أو أن أعمارهم لا تسعفهم على ذلك، أو أنهم ماضون في طريقهم في انشغالاتهم الخاصة، وحال هؤلاء الفرحون الراقصون المغلقون للشوارع دون وصولهم إلى صيدلية لشراء دواء للراكب نفسه أو لتلك العجوز أو ذلك الشيخ الماكث في منزله، أو ربما أنهم في طريقهم لأحد المستشفيات لتلقي علاج أو زيارة مريض، لكن هذا الفرح العارم حال بينهم وبين ما يبتغون. وقد يهون إغلاق بعض الشباب لبعض الطرق أمام تمادي بعض الانتهازيين في استغلال فرحة الوطن وتخريب بعض المنشآت وتكسير الممتلكات الخاصة، أو التعدي والتحرش على العوائل والأسر الآمنة في سياراتها، لا لسبب ظاهر إلا بحجة الفرح، وما كان الفرح يوماً طريقاً لنشر الحزن وبث الخوف والهلع. ها قد مضت المناسبة بكل ما فيها، وعلينا أن نعالج المسألة من جوانبها التربوية والأمنية والاجتماعية، فلعلنا نصل في الذكرى القادمة لمخارج أوسع وسبل أيسر وطرق أسلم للتعبير والمشاركة في هذه المناسبة التي لم يمض علينا إلا سنوات قليلة منذ أن تم إقرار العطلة فيها، ومن شأن الأمور في بداياتها أن تكون عرضة لبعض التجاوزات التي يمكن ترشيدها بشيء من الضبط من خلال رصد الأضرار والحوادث والسلبيات التي جاءت نتيجة لهذه المناسبة خلال هذا العام، وإشهارها بالإعلان عنها وتذكير الناس، كل الناس بحدود الحرية الفردية في التعبير والتنفيس بما لا يطال أو يضر الغير. كما يجب توسيع قاعدة الانتشار الأمني وضبط أي تجاوز أو سلوك في حق رجال الأمن أو رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يجب في يوم الوطن أن تمس مهابة رجال الأمن الذين تقع عليهم مهمة حراسة وحماية الوطن والمواطن. الخلاصة أن الآراء تباينت بين مؤيد لفتح المجال للناس للتعبير عن مشاعرهم في اليوم الوطني وبين معارض يرى أن لا ضرورة للإجازة في هذه المناسبة مقابل ما ينتج عنها من قلق وهلع وإزعاج. لكن أكثر رأي لفت نظري عن المتبارين بين المؤيد والمعارض قول أحدهم: الله يستر علينا فإذا كان التظاهر بالفرح أفرز هذا الخوف والقلق فكيف سيكون الحال لو غضبت هذه الحشود. اللهم احفظ علينا وحدتنا وأدم علينا نعمة الأمن والأمان، وأعد علينا هذه الذكرى أعواماً عديدة وأزمنة مديدة وراية توحيدنا رفرافة خفاقة.