لن أنظر للأمس بمجرياته وتفاصيله قدر حاجتي للتمعن في اليوم، والتخطيط الجيد الفعال لليوم المقبل، ولي اليوم وقفة مختلفة مع يومنا الوطني الذي سنردد معه، وفق التنظيم المتوازن أو المزدوج، أهازيج الفرح، وسيؤدي الأحياء - حد المعرفة والقدرة - «العرضة، والمزمار، والسامري، والخطوة، والدحة، والرزيف، والسيف، والعزاوي، والخبيتي»، وإن كان جيلنا استعاض، لسبب ما، عن كل ما مضى بقصات الشعر، وصبغات الوجوه، ورقصات السامبا، والرقص الغربي المغري لأجسادهم، والذاهب بهم إلى مساحة تطربهم، وزمن لا يعترفون به إلا بصحبة حضور كهذا، مع تمسكي بيوم العطلة الرسمي الذي يصنع الفارق ليوم الوطن، ولو على صعيد الشعور العام والعامل النفسي المتغير، بعيداً من إضافات المراهقين وفوضاهم المصاحبة، إلا أنه لا بد من علاج لأنيميا الأفكار الحادة الذي نعانيه لنُحْضِر أفكاراً تليق بوطن، وتجعل الطاقم الشبابي يتنافس حولها، وهي مهمة بزعمي يجب أن تُدرج ضمن مهام إمارات المناطق لصياغة ما من شأنه إحتواء الشباب وإقناعهم باليوم الوطني، لا ترك المساحة مشرعة لهم لأداء ما يحلو لهم من دون عقاب وبلا تجديد، وبدءاً من اليوم لا بد أن يكون من ضمن الاستعدادات سباق وطني سنوي للفكرة الأبرز في استثمار طاقات الشباب في اليوم الوطني، ولا أظن الأفكار ماتت، بل هي حية ما كان الضمير حياً. لليوم الوطني استدعاء لقيمة وقامة هذه الأرض، وناسها ورجالها، وتراثها وموروثها، فيه رسالة للجيل المقبل بأن المكان فاخر عظيم، تاريخه يستحق القراءة والحفظ، وترابه يستوجب التضحية والحب والمواطنة الحقة الصريحة. في مرحلة الاستدعاء ترتفع النسبة عاماً بعد عام للاهتمام المضاعف، وحاجة المشهد المحيط لضرورة التوقف عند هذا التذكار التاريخي، ولكن الرسالة للجيل وصلت متقطعة، أو مفهومة بشكل مغلوط، لتكون الحاجة ماسة وملحة للدرجة القصوى في أن ُتْبحَث أسباب فهم الجيل الشاب المراهق لكيفية الفرح ونوعيته، وألا تكون فرحة طائشة عشوائية مضحكة مزعجة. هنا يجب أن يسأل الجيل، وتناقش قضية فرحه باليوم الوطني! ماذا يريدون فيه؟ من أين وصلت لهم فكرة أن الاحتفال يجب أن يكون إزعاجاً وضوضاءً وتخريباً وتعدياً على المارة والعابرين، حتى وإن كانت مثل هذه المناظر ليست بهذا القدر، إنما تظل خدوشاً متباينة التأثير في وجه ثوبنا الوطني السنوي الوحيد، والأهم ما المعلومات التي تُضاف لرصيدهم عن الوطن، والتاريخ، والتراث، والتراب، نهاية كل يوم وطني، وعاماً وراء عام من الاحتفال والفرح، ومن هو المعني بإضافتها، أو المتهم بمسحها من أدمغتها، أو تغييبها من الأصل. قد نقف على اضطراب شبابنا وجيلنا عند طقوس الفرح، سنقف شهوداً ومشاهدين، بالمصادفة، لشارع عملاق في مدينة سعودية، وهو مزدحم بموكب أخضر بالكامل، يتنفس من فيه بشكل عابر، ومختصرين الشعار العملاق في حزمة فوضى وأغانٍ فارغة بعيدة من أي ملمح وطني، على أمل أن تكون هناك ملامح في القريب العاجل لرؤية شيء جديد مختلف، رائع مبهج، يقنعنا بأن رسالة المكان وصلت بكامل أناقتها. قراءتي للاضطراب، وملامح الفوضى، محصورة في فقدان ثقافة الفرح، وسر الفقدان أن أفراحنا يتيمة جداً، ولا توجد مساحات يمكن من خلالها الحصول على ابتسامة وإفراغ طاقة، الفرح لدينا لا يزال محصوراً بأيام أقل من أصابع اليد الواحدة، والجيل المقبل المندهش بتجارب أقرانه في الجوار، والمحيط القريب والبعيد، يشعر بالكبت في مقابل حاجة ماسة للفرح، وشعور متزايد بالضيق، إذا عرفنا كيف نحن نقابل أفراحنا الدينية ونتعامل معها، فلا غرابة أن نجد كيف كان كل هذا الفرح والرغبة الجارفة في الرقص والطرب والسعادة بعيدنا الوطني، الأمر برمته يستحق دراسةً فعالةً وبحثاً جاداً، بدءاً من اليوم، واستنطاقاً صادقاً لألسنة الشباب السعودي المتعطش لساعات فرح، لا العودة بهم للتضييق وتشديد الخناق. ما يفعله الشباب ينتظر التوجيه والقرب ومنح مساحات للتنفس، مع ضرورة وجود العقاب والمحاسبة على الخطأ، حتى لا يضع البعض يده على القلب خوفاً من مظاهر هذا الاحتفال، أحدثكم عن المستقبل، أما ما مضى فقد فات، والجرح الكبير أن يمضي يوم بعد يوم من دون فائدة تذكر، ولكن من حق الوطن أن نجاهد معه لحب يجمع طرفين، وله قبل نقطة السطر الأخير أقول: لقد رسخت في القلب منك محبة ... كما رسخت في الراحتين الأصابع!