أصبح موضوع الاختلاط موضوعا مبالغا فيه حد الإملال، وكأن قضايا التنمية والوطنية والدولة الحديثة والمجتمع تختزل كلها في مسألة الاختلاط التي كانت ولا تزال شاغل الكثيرين دون أدنى مسؤولية في غياب الكثير من المصالح لقطاع عريض من المجتمع. موضوع الاختلاط حتى داخل الدائرة الدينية هو موضوع في أحسن أحواله من القضايا المختلف فيها، لكنه صار بؤرة صراع أكثر منه قضية حقيقية يمكن الاتكاء عليها في بنائنا التنموي أو بنائنا الديني كهوية ثقافية محورية. أصبحت هذه القضية الصغيرة من وجهة نظري من أكبر قضايا المجتمع حتى صارت إشكالية ثقافية يتم فيها التهييج الجماهيري من أجل الضغط على جهات معينة لتبني وجهة النظر التقليدية التي تعتبر مسألة الاختلاط حربها الضروس منذ معركة تعليم البنات في بداياتها ثم تحولت من قضية عادية إلى قضية كبرى يتم تصنيف الناس من خلالها إلى ال «مع أو الضد». معركة جامعة نورة الأخيرة تصب في هذا السياق، فالمسألة راجعة إلى حرب خطابات ثقافية أكثر منها قضية حقيقية يمكن النظر فيها. الهيمنة الفكرية تعمل عملها هنا بوصفها الهدف الذي يراد الوصول إليهم من خلال مسألة الاختلاط، وبرأيي، فإن المسألة أبعد من ذلك حيث تصب في إشغال المجتمع عن قضاياه الحقيقية. التنمية والفساد والحقوق الدينية والمدنية والمحاكمات القضائية ودولة مؤسسات المجتمع المدني وغيرها من القضايا التي هي صميم مفهوم الدولة الحديثة لتبقى الأمور كما هي لا تحرك ساكنا بفعل العقل التقليدي الذي يزعجه التعددية الفكرية والحياتية.