د. عبد اللطيف القرني - الاقتصادية السعودية تعتبر عقود الإيجار من أكثر العقود انتشارا في المجتمعات، خاصة الإيجار التمويلي، أو ما يعرف بالإيجار المنتهي بخيار التملك. وتعتبر هذه العقود من عقود المعاوضة، بحيث يقدم المؤجر منفعة السكن أو منفعة الاستعمال أو غيرها من المنافع مقابل القيمة المالية لهذه المنفعة التي يقدمها المستأجر، وهنا تحصل المعاوضة بين الطرفين. ومن أهم المسائل التي تحصل معها الإشكالات في عقد الإيجار ما يتعلق بغرامة تأخير السداد ومشروعية ذلك، أيضا أحكام الصيانة وأيها تكون من مهام المؤجر أو من مهام المستأجر. من الأمور المتفق عليها في عقد الإيجار أن المنفعة مقابل الثمن الإيجاري، ولا يعني هذا انتقال التزامات المؤجر إلى المستأجر، إذ إن السلعة ما زالت ملكا للمؤجر، وأي التزام يتفرع عن هذا مثل رسوم تجديد الملكية ونحوها فهي على المؤجر، وهناك فرق بين تجديد رخصة السير، التي تخص المستفيد من سير السيارة ورسوم الملكية، فرخصة السير تخص المستأجر المستفيد من المنفعة، بينما رخصة الملكية تتعلق بالمؤجر مالك السيارة. وبناء على ما سبق فإن الصيانة التي تخص محل الإيجار من المسائل التي تحتاج إلى تفصيل لتنوع أشكال الصيانة مع تقرير المبدأ الفقهي وهو: أن ضمان الأعيان المؤجرة على المالك المؤجر لا على المستأجر، لأنها في يده أمانة، والأمانة غير مضمونة على الأمين إلا إن فرط في الحفظ، أو تعدى في الاستعمال، فهذا هو الأصل، وأما عن الصيانة فقد قسمها العلماء إلى ثلاثة أقسام: الأول: الصيانة التشغيلية العادية التي تحتاج إليها هذه الأعيان المؤجرة نتيجة الاستعمال مثل صيانة وتغيير الأجزاء الصغيرة غير الجوهرية التي تستهلك وتتلف في فترات دورية، بسبب التشغيل مثل قطع الغيار المعتادة وكل ما كان تغييره بسبب استخدام الآلة في الظروف الطبيعية، فهذا القسم على عاتق المستأجر، جاء في المغني: وما كان لاستيفاء المنافع كالحبل والدلو والبكرة فعلى المكتري. الثاني: الصيانة الوقائية الدورية، وتتمثل في أعمال محدودة تتم في آجال معلومة يتم فيها تغيير بعض الأجزاء وتجديد البعض الآخر، مثل الصيانة الناتجة عن الفحص الدوري وتوابعها، وهذا القسم يجوز اشتراطه على المستأجر، إذ يمكن ضبطه وتقديره، لأن علة المنع من اشتراط صيانة العين المؤجرة على المستأجر هي أيلولة هذا الشرط إلى جهالة الأجرة، وعليه فإذا انتفت الجهالة والغرر فقد انتفى التحريم، ونصت بعض فتاوى وقرارات الهيئات الشرعية على جواز هذا النوع من الشروط، مع أن بعض العلماء المعاصرين جعلها من قبيل الصيانة الطارئة، التي سنتكلم عنها في القسم الثالث، لكونها ليست أعطالا نتيجة الاستعمال العادي. القسم الثالث: الصيانة الطارئة، وتسمى في كتب الفقه الصيانة الأساسية التي تتعلق هنا بالأعطال المصنعية التي تخرج بسبب عيب أصلي وليس نتيجة الاستعمال/ وتشمل ما ينبغي عمله لمواجهة ما يطرأ من أعطال فيه غير متوقعة على الأعيان المؤجرة، وهذا القسم اتفق الفقهاء من المذاهب الأربعة على أنه واجب على المؤجر كما اتفق الفقهاء على حرمة اشتراطه على المستأجر، لأنه يؤدي إلى جهالة الأجرة، ونص على منع ذلك قرار مجمع الفقه الإسلامي وغيره من الهيئات الشرعية. ومثال ذلك: لو انهدم جدار البيت أو تعطلت ماكينة السيارة فجأة، فهذه الأعطال يتحملها المؤجر إلا إذا ثبت يقينا أن عبث المستأجر هو السبب في ذلك، لأن هذه لا تتعطل في الاستعمال العادي. وفي ضوء هذا التفصيل يمكن أن نعلم ما الذي يجب على المؤجر والمستأجر في موضوع صيانة السيارات المؤجرة وضمانها. إن تحديد هذه المفاهيم في العقود الإيجارية بات أمرا إلزاميا رفعا لمستوى الوعي القانوني وحماية للمستهلك من إهدار حقوقه التي كفلها الشرع والنظام، ولا يجوز الالتفاف على هذه المبادئ الحقوقية بشروط تعسفية ملتوية تستخدمها بعض الشركات مستغلة حاجات الناس، وكذلك يحق للشركات حفظ حقوقها من الاستعمال المتهور للسلع والبيوت الإيجارية وحماية نفسها تحت دائرة الاستعمال العادي المتوائم مع أعراف الناس وتقاليدهم. إن حفظ الحقوق أمر فطري بين جميع البشر ولا يجوز التهاون فيه، لأن الناس يفتقدون عندها رابطة المدنية والتجانس إلى التناحر والاحتراب، بسبب تجاوز الحقوق والافتئات عليها. أسأل الله لي ولكم التوفيق، وعاما دراسيا مملوءا بالنجاح والسعادة