هل ما زلتم تذكرون فاطمة.. الفتاة التي جذبتها أنابيب المجاري ثم قذفتها إلى قاع البحر؟ كانت المسكينة قد نزلت لتوها إلى كورنيش جدة في 15 رجب 1430، وببراءة الطفولة قفزت أمام والديها وأخواتها فرحة بمياه البحر وهي لا تعرف أنها بالقرب من أنابيب مجاري الصرف الصحي. وكيف لها أن تتخيل وجود المجاري على شاطئ سياحي يعد ملتقى الزوار؟ هكذا كان الأمر ثم اختفت إلى قاع البحر ولم ينتشلها حرس الحدود إلا بعد 12 يوماً جثة متحللة! يوم السبت الماضي جاءت محكمة جدة الإدارية لتذكرنا بالمأساة وتعيد المواجع بإصدار حكمها الذي قضى ببراءة أمانة جدة وحرس الحدود من المسؤولية بعد مرور ثلاث سنوات وثلاثة أشهر. بكل تأكيد لو أن أن الحكم صدرخلال وقت مبكر لما غفل عنه الرأي العام الذي ظل يبحث عن إجابة طوال هذه المدة ولطالب باستكمال التحقيق حتى تثبت التهمة على الجهة الأخرى المتسببة لأنه من غير المعقول ألا يوجد طرف متسبب. ليس هناك اعتراض على الحكم بالبراءة، إلا أن منطوق الحكم يثير عدة تساؤلات أكتفي بواحد منها. فالمحكمة أقرت بعدم مسؤولية أمانة جدة لأن أنابيب الصرف تتبع إدارة الصرف الصحي التابعة لوزارة المياه والكهرباء، ومعنى ذلك استنتاجاً أن المسؤولية بالتالي تقع على وزارة المياه والكهرباء. ورغم ذلك جاء الحكم خالياً من توجيه الاتهام للجهة التي رأت المحكمة أنها مسؤولة عن الأنابيب التي أخذت الفتاة على غفلة من أهلها. ولذلك لم تجب المحكمة على سؤال الرأي العام الذي ظل يبحثه خلال ثلاث سنوات وثلاثة أشهر وهو من المتسبب في غرق فاطمة، ومن هو المتسبب في سلب حق المواطنين بتحويل الشواطئ المخصصة لراحتهم إلى منطقة خطرة وملوثة تجرفهم أنابيب المجاري إلى أعماق البحر؟