الأستاذ نجيب عصام يماني، كاتب معروف في صحيفة عكاظ، تعجبني كتاباته وأتابعها لكونها غالبا تتسم بالتأمل والبعد عن التطرف خاصة عندما يتطرق لمناقشة بعض المواضيع الدينية. وقد قرأ مقالا كتبته في عكاظ بتاريخ (20/6/1433) تحت عنوان (محاكمة فراش) كان متضمنا نظرة نقدية سريعة لما تحتويه بعض كتب الفقه من ألفاظ وكنايات وأحكام اجتهادية تتمثل فيها استهانة مؤلفي تلك الكتب بالمرأة، وأوردت مثالا على ذلك ما ذكره ابن قدامة في المغني من أن الرجل متى طلق زوجته ثم راجعها أثناء عدتها دون علمها، له الحق في استعادتها (متى رغب) حتى وإن تأخر ومر زمن طويل انتهت خلاله عدة الطلاق وتزوجت المرأة رجلا غيره!! وهو ما يعني أن المرأة، حسب هذا الحكم لا رأي لها في قبول الرجعة أو رفضها. وتجاهل رأي المرأة في حكم كهذا نابع من تصور الفقيه لمكان الزوجة من الرجل، فالزوجة (فراش) للرجل وموضع (وطء) منه، ومن كانت هذه صفته من المتوقع أن لا يكون لرأيه اعتبار!! قرأ الأستاذ يماني ما كتب، فأقلقه ما قيل، وانطلق بثقافته الدينية الواسعة يقلب المصادر الفقهية عله يجد ما يبطل ما قلته، ولما تجمعت لديه بعض الشواهد والدلائل كتب مقالا نشر في هذه الصحيفة بتاريخ (25/6/2012) بعنوان (مشورة الزوجة في أحكام الرجعة)، واجتهد فيه أن يبريء ساحة الفقهاء من (تهمة) الاستهانة بالمرأة عن طريق التأكيد أن أحكام رجعة المطلقة إلى زوجها تتباين بين الفقهاء وأنهم ليسوا كلهم على قول ابن قدامة !! وهذا صحيح، فاختلافات الفقهاء في الأحكام الاجتهادية كثيرة وليست محل جدال، كما أنها لم تكن غائبة عن بالي حين كتبت ما كتبت، لكني لم أكن أناقش الأحكام في حد ذاتها، كنت أناقش صورة المرأة داخل ذهن الفقيه كما تظهر من خلال بعض الفتاوى المتداولة، وهي في الغالب صورة متماثلة في أذهان غالبية الفقهاء، بدليل اتفاقهم على وصف الزوجة بالفراش، وموضع وطء الرجل. وحتى في الاستشهادات التي عرضها الكاتب الكريم في سياق النفي لما قيل، تظل صورة عدم اعتبار رأي المرأة هي المسيطرة على تلك الشواهد، عدا ما أورده عن الخليفة عمر من أنه حكم بأن «لارجعة للمرأة إلى الزوج الأول إن راجعها بغير علمها». وحكم عمر رضي الله عنه يبطل فهم أولئك الذين يستشهدون بقوله تعالى: «وبعولتهن أحق بردهن»، حين يرددونه على أنه دليل على حق الرجل في استعادة الزوجة رضيت أم لم ترض، فالآية يمكن فهمها على أنها تعني الأمر بعدم عضل المرأة متى أرادت الرجوع إلى مطلقها، ولا تعني (حتمية) رجعة المرأة حتى وإن لم ترغب. أخيرا، يبرر الأستاذ يماني استخدام لفظ (الفراش) عند الإشارة إلى الزوجة، بأنه كناية عن عقد النكاح! لكن ذلك لم يقنعني، فاستخدام هذا اللفظ يبدو كناية عن مكانة المرأة لأنه حسب علمي، وعلمي قليل حين يرد لفظ (الفراش) في كتب الفقه يرد مقصورا على الزوجة، ولم يسبق أن قرأت لفظ (الفراش) في وصف الرجل فهو ليس كلفظ اللباس في قوله تعالى: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} الذي وصف به الزوجان معا.