بعد كل حادثة تتداعى إلى الذهن الاستفهامات التفتيقية: كيف ومتى وأين ولماذا وقعت الحادثة، وما يهمني في حادثة بلجرشي هو:»لماذا»لأن وراءها يكمن السبب والدافع، الذي انتهى بالمطاردة، إلى حيث حادث الوفاة المأساوي، الذي وقع بحسب زوجة المُطارد بسبب استيقاف دورية هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لهم بدعوى ارتفاع صوت المسجل بالغناء من سيارتهم، من خلال ما اعتبره رجال الهيئة أداءً لواجب ديني، فيما رفض السائق/الزوج استيقافه لقناعته بأن ذلك تطفلا على حريته الشخصية، وبرفضه الانصياع للوقوف تمت المطاردة المزدوجة من دورية الهيئة ودورية الأمن العام، حتى وقع الحادث المفجع ! ولئلا تتكرر مأساة الشاب الذي قضى نحبه مطاردا، ينبغي ألا نسرف في الحديث عن هذه الواقعة والضحية الذي ترملت زوجته، وتيتم أطفاله، بعد أن ذهب إلى قبره منعوشا فيما أسعفت زوجته وأبناؤه إلى المستشفى إثر الإصابات الخطيرة التي لحقت بهم، خاصة بعد معرفة الجناة، وإدانتهم عبر تحقيق اللجنة المشتركة المشكلة من إمارة منطقة الباحة، وهو ما يعني مثولهم للمحاكمة، ولئلا تتكرر المأساة ينبغي ألا نغفل الدافع الذي قد يقود رجال دوريات اخرين؛ لمطاردة شاب آخر قد يلقى المصير ذاته، لنفس الدافع أو شبهه، مما قد يدفع نحو مزيد من الحوادث ومزيد من الضحايا! ولئلا تتكرر المأساة ينبغي ألا نغفل الدافع الذي قد يقود رجال دوريات اخرين؛ لمطاردة شاب آخر قد يلقى المصير ذاته، لنفس الدافع أو شبهه، مما قد يدفع نحو مزيد من الحوادث ومزيد من الضحايا! وعند النظر فإن الدافع الحقيقي لوقوع هذه المأساة هو غياب فقه الدعوة في إنكار المنكر، وتمكن ثقافة الرأي الواحد من عقول من قاموا بالمطاردة من منسوبي الهيئة، كونهم دينياً تربو على رأي أحادي يقول: إن الغناء حرام، وهو ماجعلهم يشتدون في الإنكار على الشاب/الضحية، ولو فقهوا أن الغناء مسألة خلاف من قديم، وأن لا إنكار على مختلف فيه لما حدث ما حدث ! وكتب السلف ملأى بما يؤكد ذلك، وقد سئل الإمام أحمد بن حنبل عن الإنكار في مسائل الخلاف فقال:»لا إنكار على من اجتهد فيما يسوغ فيه خلاف في الفروع»وفيه يقول الإمام النووي:»إن العلماء إنما ينكرون ما أُجمِعَ على إنكاره، أما المختلف فيه فلا إنكار فيه، لأن كل مجتهد مصيب، أو المصيب واحد ولا نعلمه، ولم يزل الخلاف بين الصحابة والتابعين في الفروع - والكلام للنووي - ولا ينكر أحد على غيره، وإنما ينكرون ما خالف نصاً أو إجماعاً أو قياساً جلياً»وبنحوه قال ابن تيمية، وسفيان الثوري ومالك وجمع من أئمة السلف، وهو الذي عليه العمل عندهم، بأن لا إنكار على مختلف فيه ! وسبق أن قلت مراراً: لو عمدت رئاسة هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتفقيه منسوبيها بمضمون أقوال السلف وممارستهم الاحتسابية في التعامل مع مسائل الخلاف لتغير الحال كثيرا، ولعل في كتاب:»فقه الدعوة في إنكار المنكر»لعبدالحميد البلالي وأمثاله من الكتب التي تحدثت عن ذات الموضوع ما يفيد، ولو فعلوا لتقلصت قضايا الإنكار كثيراً، ولصار رجل الهيئة صديقا للناس، لأن إنكاره سيكون محسوبا ومعقولا وهذا مانريد .