قبل شهر تقريبا تناقلت الركبان الإعلامية منع ثلاث منقبات سعوديات من دخول فرنسا، وقالت إن السلطات الفرنسية قامت بترحيلهن بعد أن رفضن خلع النقاب، وقانون النقاب كان مشروعا اقترحته وزيرة العدل في حكومة ساركوزي السابقة وصدر في 2010 بعد موافقة البرلمان الفرنسي، والقانون يمنع لبس النقاب في الأماكن العامة والمؤسسات الحكومية، ويفرض على المرأة المنقبة غرامة قدرها مئة وخمسون يورو، وعلى الرجل الذي يثبت أنه أجبر امرأة على لبس النقاب غرامة تصل إلى ثلاثين ألف يورو مع الحبس لمدة سنة. هذا التصرف لا يمكن أن يحدث في بريطانيا أو حتى أمريكا، رغم تحفظات الدولتين على النقاب وفي أكثر من مناسبة، والفارق ربما أن فرنسا الرسمية لا تجامل شكليا في إلزام الآخرين بقناعاتها، ولها بالتأكيد مبررات تراها منطقية من وجهة نظرها، ولكل دولة قائمة محاذير وممنوعات قد تعجب وقد لا تعجب، والغرامة الفرنسية المفروضة على الرجل المنقب، تؤكد نسبيا وجود حالات استند إليها القانون، ولم تحترم فيها كرامة أو حرية المرأة. ما ذكر قد يبدو عاديا جدا لولا أن سفارة خادم الحرمين الشريفين في باريس، أكدت في تصريح لنائب البعثة الدبلوماسية الدكتور علي القرني، أن المبتعثات في فرنسا لم يتقدمن بأية شكوى، وأن سعوديات شارل ديغول لم يطلبن المساعدة ولم يحاولن الاتصال بالسفارة مع أن تدخلها حسب تصريحه المنشور كان كافيا تماما لحل المشكلة، وهذا التوضيح الدبلوماسي الرفيع يطرح استفهاما بحجم زحل، فالتوقيت لم يكن بريئا أو محايدا والمنقبات لا يسافرن في العادة بدون محرم من الرجال، ولا أعرف أسباب غياب المحرم غير المقبول في الخبر، ولعل الثابت حاليا أن خبر المنع قدم دعاية مجانية لزيارة فرنسا وزاد من عدد سياحها السعوديين مقارنة بالسنة الماضية. في رأيي الشخصي الحجاب أفضل من النقاب، لأن الثاني له أضرارا صحية ولا يسمح للمرأة بالتنفس الطبيعي ويعزلها عن محيطها الخارجي، وقد تختنق أو تتعرض لأمور أخطر خصوصا إذا كانت مصابة بالربو، واحتمالات استغلال النقاب واردة، ومن الأدلة ضبط إرهابيين ومنحرفين ومتسللين في أزياء نسائية منقبة أو مغطاة بالكامل، ومن يرى أن بصمات الأصابع كافية لإثبات الشخصية أو التحقق منها عليه أن يراجع نفسه، فالبصمات باستثناء البصمة الوراثية أو بصمة الحمض النووي، قابلة للتزوير بما فيها بصمة العين فقد تتغير نتيجة لعمليات تصحيح النظر، ولن تستطيع الجهات المسؤولة مهما فعلت التثبت من هويات الأشخاص رجالا كانوا أو نساء الأ بمطابقة الأصل مع الصورة الفوتوغرافية، ولا يعني هذا أنها طريقة مضمونة ولكن لأن عمليات تغيير ملامح الوجه مكلفة جدا، ولا يجرؤ عليها إلا نخبة النخبة من المشاهير وأصحاب الأموال وغيرهم.. ثم لو افترضنا أن أقرباء المنقبات المذكورات اقترضوا لتمكينهن من السفر، على اعتبار أن معظم السعوديين كما تقول الأرقام يقترضون ويستدينون سنويا ليسافروا للخارج، إما هربا من حر الصيف أو بحثا عن وجاهة واستعراض مؤقت يدفعون ثمنه مضاعفا بمجرد رجوعهم، فإن ما قمن به لا يعبر عن إحساس ناضج بالمسؤولية أو إدراك متوازن للعواقب، وهذه البطولات المتهورة لا تساوي شيئا مقارنة بمبالغ مصروفة وغير مستردة على تذاكر سفر وحجوزات فنادق، والأهم أن تأثيرها محدود ولا يقدم أو يؤخر..