يؤخذ على قواعد اختيار القضاة في ديوان المظالم الاختصار الشديد، والحاجة إلى إضافة العديد من المواد لتكون القواعد واضحة وشفافة، مما يضمن آلية فعالة وراقية تليق بمقام الديوان وقضاته كثيرا ما يتحدث الناس عن مشاكل القضاء أو يناقشون بعض القصص التي تحدث في المحاكم ما بين ناقدٍ ومتسائل ومثنٍ، وغالبا ما يصب الناس جام غضبهم على أفراد القضاة الذين يكونون دائما ضحية جودة الهيكل الإداري والتنظيمي للجهاز ككل أو ضعفه. وإلا فالجميع يعرف ما هو الكمّ الهائل من القضايا الذي يُلقى على كاهل القاضي يوميا بما يخالف الحد الأدنى من المعايير الدولية لعدد القضايا اليومية لدى القاضي. وقد سبق أن كتبتُ مقالينِ في الموضوع (أين معايير اختيار القضاة؟) و(أين آلية اختيار القضاة وتأهيلهم؟) إلا أنهما كانا يخصانِ القضاء العام إجمالا، وهما وإن كان هناك تداخل ويمكن الاستفادة من المقالين في القضاء العام والإداري، إلا أنني رأيت أن أكمّل المقالين بمقال ثالث متخصص في القضاء الإداري (ديوان المظالم)، حيث صدرت مؤخرا قواعد اختيار القضاة في ديوان المظالم - وأنا علم بأن لدى الديوان الكثير من النماذج والاشتراطات الداخلية، إلا أنه من المفترض أن تكون معلنة ومضمنة ولو إجمالا في هذه القواعد لأهمية الموضوع وكونه مطلبا وطنيا- وكان لي على هذه القواعد بعض النقاط التي بودّي لو أخذ بها المجلس، بالإضافة إلى النقاط التي سبق أن أشرت إليها في المقالين السابقين. وأنا مع هذا لا أقلل من عمل المجلس، ولا من جهد أصحاب الفضيلة العاملين فيه، فلهم قدم السبق، وليس من المجاملة أن نثني على عمل الديوان وتطوره في العديد من المجالات، بالإضافة إلى الكفاءة العالية لدى العاملين فيه، خصوصا القضاة وفقهم الله، ولا يفوتني أن أشكر المجلس على نشره للكثير من اللوائح والتنظيمات بشكل متواصل. سبق أن أشرت إلى أنه كان من الواجب أن تكون هناك لجنة وطنية مستقلة عن الجهات القضائية والتنفيذية مع تمثيل للجهتين فيها، تكون مشكلة بشكل متنوع من القضاة والمحامين والمتخصصين في القضاء والقانون من أجل الإشراف على اختيار القضاة بشكل أكثر مهنية واستقلالية، وسبق أن شرحت أيضا آلية العمل المشابهة في بريطانيا بهذا الخصوص. وهذا بلا شك مما يزيد القضاء قوة وتنوعا في الخبرة والاستقلالية، بالإضافة إلى ضمان آلية الاختيار وسلامتها والإشراف عليها. في القواعد المشار إليها؛ تسمح المادة الأولى للديوان أن يختار قضاةً مرشحين من جهات معينة سماها.. ولكنه لم يضع المعايير التي من خلالها يتم هذا الاختيار والترشيح؟ مع أنه يفترض أنها مفصلة هنا في القواعد، حيث هذا الأمر من أهم ما يجب أن يكون منصوصا عليه هنا! ثم تنص م2؛ على لزوم إحضار المتقدمين لتزكيات! فهل هذا يتوافق مع مبدأ الوضوح والشفافية؟ وماهي آلية التزكية؟ وما هي اشتراطاتها؟ وهل هي فعلا تُعبر عن كفاءة أو صلاح في ظل أنها قد تحصل مع عدم وجود الحد الأدنى من المعرفة بين المزكي والمزكى له! وكما هو معلوم لدى الفقهاء والقانونيين أن تطرق هذا الاحتمال يبطل الاعتماد عليها! وتنص م3 على تشكيل لجنة لأجل مقابلة المتقدمين، حيث حصرت عملها في المقابلة مع أن عمل اللجنة ليس في المقابلة فقط، وهذا يُنقص الصياغة الجودة العالية المعتادة من المجلس. ولم تُبيّن القواعد والآليات والاشتراطات على اللجنة المذكورة، التي من خلالها يضمن المتقدمون المساواة في نظر الطلبات؟ وهذا أيضا من أهم الأمور التي كان يجب على القواعد معالجتها بدقة. ثم في م6؛ التي نصت على اختبار لقدرات المتقدمين، لم تذكر القواعد آلية هذا الاختبار؟ وما هي آلية الموازنة بين نتائجه ونتائج بقية الاشتراطات كالمقابلة وغيرها وأيها سيُقدم في المفاضلة؟ والوضوح في هذا يمنع بلا شك أي اتهام بعدم الحياد من المتقدمين أو غيرهم مستقبلا. وفي م7؛ التي تتحدث عن مقابلة المتقدمين، لم تذكر معايير وأهداف المقابلة؟ ومَنِ الذي يجب أن يقوم بالمقابلة وعددهم وصفتهم؟ ثم تشير المادة نفسها إلى بطاقة المقابلة دون أن تذكر ماهيتها وتعرّفها قبل ذلك، ولم تُشر إلى مدى لزومها أو عدمه! وهذا مما يخالف الآلية العلمية لكتابة اللوائح بنظري والله أعلم. في م8؛ تشير المادة إلى أن الاختيار يجب أن يكون على مبدأ الكفاءة والجدارة، وهذا أمر مطلوب وجيد، إلا أنها لم تبين آلية ذلك بشكل واضح، رغم أنها قواعد وليست نظاما، مما يجعل التفصيل والوضوح فيها لازما بنظري، كما هو المعتاد في اللوائح والتنظيمات. ومن النقاط التي تُؤخذ على هذه القواعد؛ أنها لم تُحدد آلية التعامل مع الشكاوى للاستبعاد! حيث يجب أن تكون من خلال آلية واضحة ومن جهة مستقلة عن اللجنة السابقة، كما هو معمول به في الدول المتقدمة (أرجو الرجوع إلى المقالين المشار إليهما). بالإضافة إلى أنها لم تعتبر مسألة الخبرة إطلاقا، ولم تجعلها من ضمن آليات المفاضلة! في حال أن نظام القضاء جعلها سببا في استحقاق بعض المراتب في السلم القضائي، بالإضافة إلى عدم اعتباره لعدد الأحكام القضائية التي شارك فيها المتقدم - بالنسبة للمحامين مثلا -، كما لم تعتبر البحوث القضائية أو القانونية المحكّمة أيضا، وغير ذلك من الأشياء التي كان ينبغي للقواعد أن تراعيها في اشتراطات المفاضلة. الحقيقة أن هذه القواعد إجمالا يؤخذ عليها الاختصار الشديد، كما تحتاج إلى إضافة العديد من المواد لأجل أن تكون القواعد واضحة وشفافة، مما يضمن آلية فعالة وراقية تليق بمقام الديوان وقضاته ذوي السمعة والمكانة الرفيعة. وقد كان بودي أن أدمج هذا النقاش بالحديث عن لائحة تنظيم أعمال الملازمين القضائيين، لكن ربما في مناسبة أخرى بإذن الله. أتمنى أن أكون قد شاركت بما يفيد، مع إقراري وعرفاني لأصحاب الفضيلة أعضاء مجلس القضاء الإداري، وجميع من شارك في العمل، ولا أدعي الكمال فيما كتبت، بل هي مشاركة ربما تكون مفيدة، أرجو في ذلك خدمة وطني وطلب الأجر قبل ذلك.