يسألني أحدُهم : ما معنى: «التّحبير» في حديث أبي موسى: «عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ رَأَيْتنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ قِرَاءَتَكَ الْبَارِحَةَ، لَقَدْ أُعْطِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ». قُلْتُ: أَمَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ أَعْلَمْ أَنَّكَ تَسْمَعُ قِرَاءَتِي لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا» فقلتُ له: ألم تسمعْ «محمد أيوب» وهو قائمٌ يُصلّى في المحرابِ؟ قال: بلى. قلت: ذاك هو التّحبيرُ. ثم استمرأَ السؤالَ ثانيةً: وكيفَ يكونُ التغنِّي بالقرآنِ؟ وَفق َما جاء في قولهِ – صلى الله عليه وآله وسلم -:» «ما أذِنَ اللهُ لشيءٍ ما أذِنَ لنبيّ يتغنّى بالقرآنِ» فأجبتُه: إنما تكونُ معرفتُكَ كيفيّةَ التّغنّيِ بسماعِكَ: «محمد أيوب» وإنصاتِكَ لهُ. بادرتُهُ في الثالثةِ إجابةً دونَ أن يسأل؛ إذ قلتُ له: كما أنّ شأنَ تَزيين القرآن بأصواتنا كما في الحديثِ: «زيِّنوا القرآنَ بأصواتِكُم» هو ما يُدرِكه: «المختصونَ» وسواهُم في: أنَّه معنى يتضح بجلاءٍ في مثلِ الأداء الذي عليهِ: «محمد أيوب» ساعةَ أنْ يتلو كتابَ ربّهِ. إلى ذلك؛ فإن قليلاً من الآخرينَ في القرّاءِ مَن يُشارِك «محمد أيوب» في ما امتازت به تلاوته تلك التي توافرت على ما يلي: • تغنيّا فطريّا أبعدَ ما يكون عن التكلُّفِ أو التصنّعِ، ويمكنُكَ أنْ تُدرِكَ هذا من خِلالِ انسياب القراءةِ حدّاً لا تستثقل معه قراءةَ جزءٍ في الركعةِ أو يزيد، وذلك إبان الصلاةِ خلْفَهُ. • أداءً قرآنياً يبلغُ مدىً رفيعاً من القدرةِ على توزيعِ النَّفَسِ على ما طالَ من الآيات بصورةٍ متقنةً في ضبطِ المقاديرِ الزمنية ِ للمدودِ والغنن ينضاف إلى ذلك: أداءُ المهرةِ حيثُ التغنِّي لذات المدودِ والغُننِ ورؤوسِ الآي والقفلاتِ ليس كذلك وحسب إنما يكتسي هذا الأداءُ بمسحةِ حزنٍ وفق مقامٍ حجازيّ شجيّ ينخلع له قلبُكَ من مكانه ويوشكُ أن يطير. • كفاءةٌ عاليةٌ في تطويعِ طبقته الصوتيةِ بما يتناسب ومساحتها إذ تكادُ ألاّ تجدَ كبيرَ فرقٍ – بسببٍ من أستاذيتِه في هذا – فيما بينَ طبقةِ القرارِ لديه أو الجوابِ؛ ففي كليهما تبدو قوةُ صوتِه، وجمالياتُ تدرُّجِ نبراته، وذلك جرّاء تعويله على مخارجِ حروف لم تبرحْ أمكنتها؛ كما أنّ حبالَ أوتارهِ الصوتية القوية واهتزازاتِها ما كانت لتخْذله إبانَ ترتيله. ..وثمة خصائصُ قرائية يضيقُ المكانُ عن استيعابِها. بقيةُ القولِ: لهذا المعنى أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عبدَ الله بن زيدٍ رضي الله عنه أنْ يطلبَ من بلال – رضي الله – عنه أن يؤذّنَ، قائلاً له: (إنه أندى صوتاً منك) وإنْ يكنْ هذا في شأنِ الأذانِ – لبضعِ دقائقَ معدودةٍ – فكيف إذن هو الشأنُ بصلاة التراويح والقيام؟! ونِعْمَ هذه الأمةُ التي تُعنى بجمالياتِ الصوتِ في جلالِ عبادتها إذ تقفُ بين يدي ربها تتلو كتابَهُ بأندى صوتٍ وأعذَبهِ. نتمنّى على شؤون الحرمينِ أن يُفرحوا: «المسلمين» قاطبةً بخبرِ إمامةِ: «محمد أيوب» مع بقية إخوانهِ من الأئمة في الحرم المدنيِّ في رمضانَ عامنا هذا.