المشهد الذي انتجه الاقتراع الرئاسي في مصر يظهر أن الطبقة السياسية بكل تشكيلاتها ليست مهيأة لاحترام حتى الشكل في الانتقال السلمي إلى حياة ديموقراطية، وإن ما عانته البلاد في ظل النظام السابق لم يشكل حافزاً للنظر في أساليب العمل. وقد يكون الصراع حالياً يُختصر في المواجهة بين جماعة «الإخوان المسلمين» والمؤسسة العسكرية، واللتين أظهرتا كل على طريقتها بعداً كبيراً عن الممارسة الديموقراطية. لكن في الوقت نفسه لم تظهر القوى التي تسمى ليبرالية ومدنية تعلقاً بهذه الممارسة. وحتى الاقتراع الرئاسي نفسه بدا، خصوصاً في أوساط هذه القوى التي يفترض أن تحمل لواء الممارسة الديموقراطية، وكأنه عملية ثأر من نظام طويت صفحته وليس نقطة انطلاق لبناء جديد. فمن اعلن من هذه القوى تأييداً صريحاً لمرشح «الإخوان» محمد مرسي أو مرشح المؤسسة العسكرية الفريق احمد شفيق برر هذا التأييد بالرغبة في التخلص من الآخر وليس بقناعة سياسية تستند إلى رؤية برنامجية. ومن المتوقع، إذا لم تحصل مفاجأة جديدة كبيرة اعتادت مصر على مثلها منذ تنحي الرئيس حسني مبارك، لن يكون لهذه القوى موقع خاص لتجد نفسها ملحقة بأحد طرفي الصراع، وربما وقوداً له كما حصل في البرلمان المنحل ومشكلة اللجنة الدستورية. هكذا تحد هامشية هذه القوى من التأثير السلبي الكبير على الحياة الديموقراطية، والذي تتركه ممارسات المجلس العسكري و»الإخوان». من دون أن يعني ذلك أعفاءها من مسؤولية انحصار الصراع بين هذين الطرفين، بعدما اختار كل منها الالتحاق بأحدهما. العرض الإعلامي الذي قدمه مرسي ومعه كل الآلة الإعلامية ل «الإخوان»، غداة الانتخاب وقبل أن تأخذ عملية الفرز وظهور النتائج على نحو قانوني، يكشف مدى الشبق للسلطة فحسب. فلم يظهر أن الرجل الذي ألقى «خطاب تنصيب» اكثر من كونه يعلق على اقتراع لم تظهر نتائجه بعد، مهتم سوى بتثبيت فوزه. فلم يحترم الآلية المحددة قانوناً، ولم يحترم أصول اللعبة الديموقراطية. فهو قال انه تقدم على منافسه بنسبة 2 إلى 3 في المئة، ما يعني أن نصف المقترعين انتخبوا منافسه. فضرب بعرض الحائط تطلعات هذا النصف ومشاعره، من دون أي حساب. وعندما يتخلى السياسي عن رأي خصمه وتعبير أنصاره في صندوق الاقتراع يضرب الركن الأساسي في العملية الديموقراطية. هذا اضافة إلى معضلة أساسية تتمثل في أن مرسي مرشح تنظيم حديدي يقوده مرشد عام، ويستمد شرعيته السياسية منه، قبل الاقتراع وبعده. لتحل شرعية فرد محل شرعية الاقتراع الشعبي. بما يضرب ركناً أساسياً آخر من الديموقراطية. أما القطب الآخر في الصراع، المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذي يستمد شرعيته من تسمية مبارك له، قبل تنحيته، أي من دون أي تفويض شعبي وديموقراطي مسبق، فاعتمد «المظهر» الدستوري من اجل تثبيت هذه الشرعية وأعطى لنفسه حقوقاً تفوق أي حق عن شرعية الاقتراع. وما الإعلان الدستوري المكمل إلا تقييد لحرية الرئيس المنتخب. وربما وضع هذا الإعلان على قياس توقع نتيجة الاقتراع الرئاسي ووصول مرسي إلى المنصب. على نحو يطوق الرئيس الجديد ويلغي شرعيته الانتخابية. هكذا، يتخذ الصراع في مصر مظهر الممارسة الديموقراطية. لكن حصيلة هذه الممارسة تعود لتخضع لرغبات الاستئثار بالحكم، ما ينفي وجود ديموقراطيين يحمون الممارسة الديموقراطية.