أول ما جاءت الأخبار بشأن وضع لائحة للنشر الإلكتروني فقد تملّكتني الدهشة، وسيطرت عليَّ حالة من الضحك الغريب، وكون وزارة الثقافة والإعلام تسنّ مثل هذه اللائحة فهي لا تزال تعيش في عصر قديم من عصور الرقابة والتفتيش. ربما أتفهّم ما يمكن أن تمليه ثقافة الرقيب والمفتش والوصي في أي جهة رسمية لها خصوصياتها المعهودة من الأنظمة البيروقراطية وتأخير البتّ في المعاملات وتطفيش العملاء والمستفيدين بشتى الطرق، لكنّي لا أتفّهم كيف يمكن أن تظل وزارة معنية بشأن الثقافة والإعلام في غياب كامل عن تغيّرات العصر بكل ما فيه من انفتاح من خلال التقنيات الالكترونية الجديدة، فتقوم بسن لائحة على النشر الالكتروني وهي ليست المانحة أو المالكة لهذا النظام العالمي التكنولوجي! لست ضد التنظيم الالكتروني أو حفظ الحقوق كما تقرّها اللائحة، ولكن بطريقة مقنعة تفهم حيثيات العصر والتغيير المستمر فيه، وأتمنى أن تتخذ الوزارة زمام المبادرات الثقافية الجادة لأبناء البلد دون إضعافهم أو إحباط معنوياتهم الطموحة في الإبداع والإنجاز الثقافي والالكتروني المميّز.ومع كل عبارات التهذيب والتنميق التي وردت في اللائحة: (الدعم - التنظيم - حماية المجتمع - بيان الحقوق - نشر ثقافة الإعلام.. إلخ) إلا أنها غير واقعية، فنظام النشر الإلكتروني العالمي قد منح كافة أفراد العالم المشاركة في هذه التقنية بكل يُسر وسهولة وقدّم دعمًا مجانيًا، وأوجد جوائز وتحفيزات ومسابقات لمن يضيف محتوى الكترونيًا متميزًا ذا جودة عالية في التحرير والتوثيق والدقة والفنية، مع وجود لوائح قانونية وأخلاقية يمكن أن توقف من يسيء أو يجلب الضرر، ومعنى هذا فأي نوع من الدعم المادي أو المعنوي قدمته وزارة الثقافة والإعلام أو ستقدّمه من خلال هذه اللائحة؟ لائحة النشر الإلكتروني التي سنّتها الوزارة.. لا أرى لها ميزة ولا فائدة إلا إدانة صاحب المنتج الإلكتروني في حال تقديم شكوى عليه، ولذلك فعبارات اللائحة: (رئيس التحرير يُعتبر مسؤولًا.. يُعتبر كاتب النص مسؤولًا.. يعتبر المتنازل عن الترخيص مسؤولًا عن المحتوى المنشور في الفترة السابقة.. الوزارة هي الجهة المنوط بها التحقيق والمساءلة.. على جميع أصحاب الأنشطة الإلكترونية الواردة في المادة الخامسة من هذه اللائحة العمل على تصحيح أوضاعهم خلال ستة أشهر من تاريخ نشر هذه اللائحة (لا تفصح عن تشجيع أو دعم أو تقدير للعمل الالكتروني المستقل، وإنما هي عبارات تريد فرض وصاية). والسؤال المهم: كيف تقدّم وزارة الثقافة والإعلام تصاريح للنشر الإلكتروني لعالم إلكتروني لا تملكه ولم تكن مُؤسِّسة له؟ وليس لها أدنى رؤية نظرية أو عملية لتطويره وإغنائه بالمحتوى المعرفي العربي، بدليل الدخول على موقع الوزارة ليدلك على فقره وضعف محتواه، فكيف بها ستدعم النشر الالكتروني الآخر؟ يعني بالعقل:google,yahoo, youtube, twiiert, facebook, blogers يمنحون أفراد العالم مواقع مجانية بدون قيد أو شرط.. فكيف للوزارة تمنح تراخيص لما لا تملكه؟ حتى لو افترضنا أن الشركات المستضيفة للنطاقات هي شركات سعودية فليست هي الشركات الأم!. لست ضد التنظيم الالكتروني أو حفظ الحقوق كما تقرّها اللائحة، ولكن بطريقة مقنعة تفهم حيثيات العصر والتغيير المستمر فيه، وأتمنى أن تتخذ الوزارة زمام المبادرات الثقافية الجادة لأبناء البلد دون إضعافهم أو إحباط معنوياتهم الطموحة في الإبداع والانجاز الثقافي والالكتروني المميز.