استضافتني إحدى الفضائيات لمناقشة أحداث فتاة المناكير مع رجلي هيئة الأمر بالمعروف، وقد طلبا منها مغادرة السوق قيل بحجة أنها تضع مناكير على أصابعها، وأخرى أن العباية لم تكن على رأسها وقول إنها كانت تغطي نصف وجهها أي «مبرقعة». وسوف أتجاوز كرما عن من كان معي في الحلقة والذي وصفني بالجهل والعجز، موزعا تهمه على الجميع مؤكدا أن ما تم صرفه على الابتعاث كان من الممكن أن نفتح بها جامعات بدلا من تغريب المرأة. وتطرق إلى نظرية المؤامرة وهي عكاز العاجزين لمن أعيته الحجة ونقصه الدليل، كما اتهم الصحفيين بأن غرضهم محاربة الهيئة والقضاء عليها وأن توظيف المرأة في الهيئة يعني اختلاطها بالرجل وبالتالي تصبح مثل وزارة العمل، كان متعصبا لرأيه خارجا بالحوار عن مبدئه الإسلامي الأصيل. ما حدث دل على أننا نعاني من فراغ كبير «وفضاوة» نعيشها، فقد تناقلت المواقع هذا المقطع وأصبح خلال دقائق داخل الجوالات ووسائل تقنية الاتصال. رغم الخطوات الواثقة التي اتخذها الرئيس العام للهيئة إلا أن هناك بعض التصرفات لم تصل إلى حد الطموح الذي يتطلع إليه في جعل جهازه نموذجيا غرضه إنكار المنكر الظاهر والقضاء عليه بالحسنى والترغيب. ما يحتاجه رجل الهيئة إلمامه لمبادئ فقه الواقع من فقه الخلوة وفقه الأسواق وفقه كشف الوجه وفقه الطرقات وغيرها من أبواب التعامل، مما يسهل اندماجهم في المجتمع وتقبله لهم. ما احتج عليه رجلا الهيئة من طلاء الفتاة أظافرها «بالمناكير» له أصل في الشرع فعن ابن عباس أن امرأة أتت النبي تبايعه ولم تكن مختضبة فلم يبايعها حتى اختضبت سنن أبي داوود 2/190 سنن البيهقي 7/286 أكدها ابن سعد في طبقاته بأنها نائلة الكوفية. وفي مسند أحمد 6/462 أن امرأة من نسائهم وكانت قد صلت القبلتين مع النبي عليه السلام قالت دخل علي رسول الله فقال اختضبي، تترك إحداكن الخضاب حتى تكون يدها كيد الرجل! قالت فما تركت الخضاب حتى لقيت الله تعالى. فالحناء أو الخضاب هو ما يشبه المناكير في هذه الأيام قياسا فلا مكان للإنكار على هذه الفتاة. أما بالنسبة لزينة المرأة ورد في مسند عمر 1/114 عن سبيعة بنت الحارث أنها كانت تحت سعد بن خولة فتوفي عنها زوجها في حجة الوداع فوضعت حملها وقبل أن ينقضي أربعة أشهر وعشر من وفاته اكتحلت واختضبت وتهيأت للخطاب فلقيها أبو السنابل فقال لها ليس قبل انقضاء عدتك فذهبت للرسول تخبره فقال لها عليه الصلاة والسلام عدتك وضع حملك، وفي صحيح البخاري كتاب المغازي ح 3991 وصحيح مسلم كتاب الطلاق ح 3706 والمسند 6/4422 وسنن أبي داوود ح 2306 وسنن النسائي ح 3506 أنها تجملت للخطاب بوضع الخضاب في يديها والكحل في عينيها وتهيأت فلبست أفضل ما لديها. وقد استدل الفقهاء على جواز أن تتزين المرأة لتخطب وهذه الحادثة وقعت بعد حجة الوداع ولو أراد الرسول أن ينهاها لفعل ذلك، بل أيدها ووقف معها. وفي قوله تعالى «.. ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها» أجمع المفسرون على أن الزينة التي يتضمن إبداؤها كالكحل في العين والخضاب والخاتم والسوار وهذا يستلزم رؤية محلها من جسم المرأة كما أن القدمين تؤخذ بالقياس على الوجه والكفين. فهي كما تبدي وجهها وكفيها للتعامل والأخذ والعطاء فأيضا تظهر قدميها إذا مشت حافية أو منتعلة وربما لا تجد الخف في كل وقت المبسوط للسرخسي 10/153، فالزينة واللباس هما من العادات التي الأصل فيها الإباحة. إن مسألة كشف الوجه مسألة خلافية بين العلماء وحمل المسلم على التقيد بمذهب دون غيره من المذاهب لا يجوز شرعا، كما أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يصح في هذه المسألة لأن الأمور الاجتهادية ليست محلا للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيها، وإنما محلها ما كان متفقا عليه من الواجبات والمنهيات الشرعية. وللشيخ الألباني الذي ارتضيناه حكما على صحة الحديث فنقول رواه البخاري وصححه الألباني كتاب جلباب المرأة المسلمة وفيه 21 دليلا على جواز كشف المرأة وجهها، فلماذا وجع الرأس!!. وجود الهيئة أمر يقدره الجميع ويحترمه الفرد ولكن لا بد من توضيح الأمور حتى لا يحيف أحد على أحد كما حدث مع مبرقعة حائل والآن مع هذه الفتاة.