بعد طول انتظار وترقب من قبل الشارع والرأي العام، أصدرت المحكمة الإدارية بجدة أحكامها القضائية ضد المتهمين الستة الذين تمت محاكمتهم بتهم ( الرشوة والوساطة واستغلال السلطة) على خلفية كارثة سيول جدة، وقد جاءت الأحكام متفاوتة، مابين إدانة المتهم الأول بجرائم الرشوة المنسوبة إليه والحكم بسجنه 7 سنين وتغريمه مليون ريال، وما بين إدانة المتهم الثالث بالتوسط في الرشوة وسجنه سنتين وتغريمه 200 ألف ريال، وما بين تبرئة المتهم السادس لعدم إدانته بجريمة التوسط المنسوبة إليه، إلى جانب الحكم بعدم مصادرة مبلغ الرشوة. والحقيقة أنه وبالرغم من إيماني الشديد بعدالة هذه المحكمة الإدارية تحديدا إلا أنني شعرت في المقابل بدهشة من الأحكام التي أوقعت على المدانين !؟. هناك قضايا عديدة يهتم لها الناس ولهذا تجدهم يترقبون بعناية تفاصيل إجراءات التحقيق والمحاكمة فيها وينتظرون (على أحر من الجمر ) صدور الأحكام الرادعة بحق المتهمين الذين تثبت أدانتهم، إلا أن الأخبار دائما ما تأتي مقتصرة على نشر مشاهدات من الجلسة الأخيرة مع بيان لمنطوق الحكم دون التطرق للوقائع والأسباب والحيثيات والأسانيد التي بنيت عليها تلك الأحكام، الأمر الذي يسهم بشكل كبير في تأصيل حالة الدهشة لدى العامة. وطالما أن الحكم صدر في قضية ( كارثة سيول جدة) وهي القضية الأبرز والأهم خلال الثلاثة أعوام الماضية، وطالما أن القاعدة القانونية تقول: (الحكم الذي يتلى في الجلسة يصبح ملكا للجمهور ) وطالما أن النظام نص على ضرورة (نشر الأحكام التي تصدر في جرائم الرشوة وإعلانها)، وطالما أنه جاء من بين القرارات التي أقرها مؤخرا مجلس الوزراء قيام الوزارات والهيئات والأجهزة الحكومية بتعيين متحدثين رسميين في مقراتها للتجاوب مع ما ينشر عنها من أخبار ومعلومات تهم الشأن العام، وطالما أننا لا نشكك أبدا بنزاهة هذه المحكمة الإدارية وإن غايتنا فقط الوصول لقناعة تامة بأن ما صدر عنها من أحكام قضائية في هذه القضية كانت عادلة للغاية فإن لدينا بعضا من التساؤلات البريئة جدا ونتمنى أن نجد الإجابة عليها بالتفصيل سواء الآن أو بعد تدقيق الحكم من قبل محكمة الاستئناف الإدارية واكتسابه صفة الحكم النهائي القطعي.