لا سذاجة أكبر من أن نثق في ذئاب اقسموا بالولاء لمبارك، ووثق المخلوع في كبيرهم على رأس أخطر مؤسسات الحكم20 عاما. لقد كان مبارك وزبانيته أكثر وعيا وإدراكا وفهما لطبيعة الشعب المصري (العاطفية)، فعرفوا جيدا من أين تؤكل الأكتاف، ف(لبسونا العمة)، تحت شعار حماية الثورة، ولم يسأل أحد نفسه هذا السؤال البديهي (وهل ترعى الذئاب الغنم؟). ورغم أن شباب هذا الجيل هو الذي صنع المعجزة (الثورة) وأشعلها، بعد أجيال آثرت المشي (جنب الحيط)، لم يلتفت إليه أحد من الساسة والجماعات والقوى التي تسابقت على جني الأرباح وحصد الثمار وعقد الصفقات ولم يقدر أحد منهم ما قدموه ولم يؤمن بهم كقوة سياسية لها فكر ورؤية فلم يشأ أن يستمع أحد من الكبار لهم عندما تنبهوا باكرا للحقيقة المرة ورفعوا حناجرهم في مواجهة العسكر (كاذبون) .. بل الأدهى من ذلك اتهامهم بالعمالة والخيانة والتآمر لتمضي الأيام وتتجلى الحقيقة للجميع في الوقت الضائع. لا أقول هذا الكلام بكاء على اللبن المسكوب فما فات فات وعلينا أن نتعلم من دروس الماضي حتى لا نبكي دما ل30 عاما جديدة، فمصر اليوم أمام كارثة كبرى وحادثة مفصلية في تاريخها المعاصر هي برأيي أخطر ما في الثورة، فإما الارتداد إلى ما قبل 25 يناير، وإما أن ندخل قسرا في حكم المرشد. لسنا الآن بالرفاهية التي تجعلنا نعترض أو نبدي رأيا في جماعة الإخوان الآن، فاختلافنا معها فكريا وسياسيا لا يجعلنا بحال أن نقبل بلص سفاح مكانه الطبيعي خلف القضبان قال بمليء فيه (للأسف نجحت الثورة). واعتقد أن شباب ميدان التحرير الذين واجهوا بصدورهم العارية البلطجية في موقعة الجمل إبان تولي أحمد شفيق رئاسة الوزراء هم الأقدر على التمييز بين جنة شفيق ونار الإخوان، وهم الأجدر بالإجابة على السؤال: هل كانت جمال شفيق وبغاله تفرق بين الإخواني والليبرالي والقبطي والمسلم والسلفي واليساري؟ إن آليات التعامل مع الوضع الراهن لا تتطلب منا بكاء على اللبن المسكوب أو صراخا وعويلا أو سلبية وتخاذلا بقدر ما تحتاج لخطوات على الأرض لمواجهة (الثورة المضادة) التي انتفض العسكر لحمايتها وليس لحماية ثورتنا كما ظننا وظللننا نردد كالبلهاء الطرف الثالث ولم ندرك وقتها أن المجلس العسكري (داخل بنفرين). نحن الآن أمام اختبار عسير نتحمل كلنا المسؤولية التاريخية فيه، ولا اعتقد أن عاقلا في مصر يؤثر مصلحة الوطن على كل الاعتبارات سيتردد في مواجهة هذا المجرم، وثقتنا في الله كبيرة ثم في شعبنا العظيم الذي لا يظهر معدنه إلا عند الشدائد والمحن كما حدث في 25 يناير، فنحن بإذن قادرون على عبور هذا الفخ، ولن يزيدنا ما نمر به إلا إصرارا على إنجاح الثورة والعبور بها إلى بر الأمان، وربما يكون درسا قاسيا لنا لنعرف عدونا الحقيقي ونتنبه له ونؤثر المصالح الكبرى على مصالحنا القريبة الخاصة. ولعل المؤشرات حتى الآن تبدو إيجابية جدا ومبشرة فالغالبية العظمى من النشطاء من كافة الاتجاهات أعلنوا مد أيديهم للإخوان ومرشحهم محمد مرسي لحماية ما تبقى من الثورة، واعتقد أن على جماعة الإخوان المسلمين اليوم العبئ الأكبر باحتضان جميع التيارات والقوى الثورية ومد الأيدي لها وعدم انتظارها حتى تأتي إليها، بل عليها إن تبادر إلى الجميع دون استثناء أو إقصاء، خاصة الأخوة الأقباط الذين يحتاجون إلى اهتمام خاص، وخطاب صادق. إننا أمام فرصة تاريخية لسد الشرخ من جديد و إعادة اللحمة الوطنية عن طريق تقديم الضمانات الكافية من جماعة الإخوان بالاستقلال الكامل لمحمد مرسي ليكون رئيسا لجميع المصريين وليس رئيسا للإخوان أو سكرتيرا عند المرشد أو خيرت الشاطر ودعوة مرشحي الثورة إلى العمل ضمن فريق رئاسي واحد والتعهد بتشكيل حكومة ائتلاف وطني تعبر عن الثورة وآمالها وطموحاتها. إن استقلالية حزب الحرية والعدالة عن جماعة الإخوان المسلمين في هذه اللحظة التاريخية باتت مطلبا وطنيا ينتظره الجميع وسيكون فارقا في الحياة السياسية في مصر وفي تاريخ الجماعة نفسها إن كانت تمتلك الشجاعة الكافية والرغبة الكاملة في إيثار مصلحة الوطن على مصالحها. أخشى ما أخشاه أن يتعامل الإخوان في هذه المرحلة الحساسة بمنطق التعالي، فنخسر ثورتنا بالعناد، فنحن الآن في معركة حياة أو موت أصبح الخلاف الأيدلوجي والسياسي فيها ترفا غير مقبول.