د. حمزة بن محمد السالم - الجزيرة السعودية روى ابن إسحاق فيما روى في السيرة، أن حمنة بنت جحش لقيت الناس عند عودتهم من موقعة أحد فنُعي إليها أخوها عبد الله بن جحش فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعي لها خالها حمزة بن عبد المطلب فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعي لها زوجها مصعب بن عمير فصاحت وولولت. فقال رسول الله: «إن زوج المرأة منها لبمكان» لما رأى من تثبتها عند أخيها وخالها وصياحها على زوجها. للموت رهبته وطقوسه واحترامه، ولكن إذا وقفنا وقفة تأمل عملية لا عاطفية فتساءلنا: أيهما أشد ألماً وأعظم مصيبة وأكثر تبعية مزعجة على المرأة السعودية خاصة، الطلاق أم الترمّل. الطلاق والترمّل كلاهما فراق، إلا أن موت الزوج يقطع شره ويُبقي خيره - إن كان له خير- والطلاق يقطع خير الزوج ويُبقي شره. والموت لا لائمة فيه على الزوجة، فهو مصيبة مقدَّرة. وأما الطلاق فلمز وهمز وطعن وإشاعات وتوزيع للاتهامات. وموت الزوج سبب للغفران والتسامح ومدعاة لتلاحم الأسرة والأصدقاء والمجتمع مع الزوجة المترملة، وأما الطلاق فسبب للنزاعات والتشفي وابتعاد أصدقاء الزوجة عنها. ولو تأملنا حقيقة الطلاق مقارنة بموت الزوج لأدركنا أن ألم فجيعة موت الزوج مكافئ فقط للحلقة الأولى من مسلسل آلام الطلاق، وهو فجيعة الفراق. فالفراق هو الجزء المشترك بين الموت والطلاق. وأما ما بعد ذلك فيتباين الأمران تبايناً بعيداً. الترمّل ضربة مؤلمة لا يتجدد ألمها. وأما الطلاق، فكثير من المطلقات عندنا يعشن آلام الطلاق المتجددة صبحاً وعشياً. فلا مال لها بعد أن منعها زوجها من العمل والدراسة أو امتنعت اعتماداً على زوجها، فما وعت إلا وهي مطلقة لا نفقة لها. وأخرى قد نثرت بطنها لزوجها فأتت له بالبنين والبنات فما لبث أن طلقها ثم أحياها في كوابيس خطف أولادها منها أو التضييق عليها وابتزازها. وأخرى، وما أكثرهن، تلاحقهن الأعين والشكوك والأطماع. نعم الموت قدر محض والطلاق قدر وحل لمشكلة قائمة، ولكن لم لا نبكي المطلقة كما نبكي الأرملة؟ وأخص هنا الشابات والمتوسطات في العمر اللاتي إذا ترملت الواحدة منهن فهي ترث مال الرجل وأبناءه، وأما إذا تطلقت فكأنما أُحرقت حية مع وثيقة طلاقها كما يحرق الهندوس الزوجات مع أزواجهن إذا ماتوا عنهن. الحديث فيما مضى للغالب الأعم، والأحكام توضع للغالب والاستثناءات للخاص. ومن ذلك فإن الترمل يقع عادة للكبيرة التي زهدت في النكاح والمُكرمة من أبنائها الكبار والمستغنية عن رعاية ومال زوجها بهم، ولها مع ذلك - تحديداً من الشرع الثُمن أو نصفه أو ثلثه أو ربعه. وأما الطلاق فعادة ما يقع على الصغيرة ومن لها أبناء صغار فهي أولى بالتحديد وأحوج من الكبيرة إلى المال والحب والحنان. ولكن في التحديد والإلزام بقوانين صارمة تنفيراً من الزواج وتعطيلاً له، ولذا - والله أعلم- تركها الشارع الحكيم مُرسلة تُنظم من الحاكم على حسب مصالح الناس واختلاف أزمانهم وثقافاتهم. ووضع الأنظمة من الحاكم فيما سكت عنه الشرع أو تحديده (كالدية والمهر والنفقة) لا مانع فيه شرعاً، إنما الجُرم في إلغاء الأنظمة التي نص عليها الشارع صراحة (كميراث الزوجة). حال المطلقات عندنا - وهم كثير- حال تعيسة، وآلامهن والحديث عن الظلم الواقع عليهن بحر لا ساحل له، ويكفي اليوم الإشارة إلى أنه إن كان موت الزوج هو ترملاً للزوجة فإن الطلاق عندنا هو قتل غير رحيم لها. ومن أنجع الحلول اليوم هو العمل على تكريم المرأة بجعلها مستقلة عن الرجل في مالها وقراراتها وتفكيرها وتعليمها وثقافتها، فلا يستهين بها زوجها ولا يستغلها طليقها ولا يظلمها مجتمعها، فالمسكوت عنه أنه في الأزمات العائلية والمشاكل الأسرية والاجتماعية وعند المصائب فإن المرأة عندنا غالباً لا تُقدّر حقيقة ولا تكرم إلا بعد أن تصبح من القواعد من النساء، ومن الشواهد على ذلك الغالب في حال الأرملة وحال المطلقة.