حدثتني إحدى الأخوات الكريمات عن معاناة المرأة العاملة في مجتمعنا.. فأثارت حزني وقلقي وألمي على ما تعانيه المرأة في أماكن العمل، وكذلك في الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة عند متابعة إجراءات توظيفها أو عند رغبتها في الحصول على أي خدمة من مؤسسات القطاعين العام والخاص! سألتها: هل هذا معقول في مجتمع محافظ؟! فأجابت بلهجتها قائلة: ""الخافي أعظم"" لأن الكثيرات لا يرغبن في إثارة المشكلات لهن أو لأولياء أمورهن أو للأطراف المتورطة خوفاً من تطورات لا تحمد عقباها، خاصة مع عدم وجود الأنظمة الفاعلة والجهات المسؤولة التي تتعامل مع هذه الأمور الحساسة بما يتناسب معها! تروي قصة أخرى عن تطاول مدير إحدى المؤسسات الخاصة ودخوله القسم النسائي متى ما شاء دون أي نوع من التنسيق مع العاملات، خاصة أن عددهن في الغالب قليل لا يتجاوز موظفتين في بعض الأحيان، مما يثير عدم الارتياح لتصرفات المدير العام الذي يمتلك صلاحية الدخول للقسم النسائي متى شاء! وعندما أظهرت استغرابي الشديد، أضافت: إن ما يحدث في محال البيع أمرّ وأدهى خاصة تلك المحال الخاصة ببيع المستلزمات النسائية، مشيرة إلى أن قرار تأنيث هذه المحال جاء رحمة للنساء! يبدو أن المشكلة في غاية الخطورة ويصعب ضبطها، ولكن لا ينبغي تجاهلها! إنها مسألة التوظيف في الشركات والمؤسسات الذي لا يخضع لإجراءات مؤسسية واضحة وشفافة مناسبة، مما يتيح فرصة لمدير الشركة أو المؤسسة لاستغلال نفوذه والتحرش بالنساء العاملات أو المتقدمات لطلب العمل دون أي نوع من الحماية لهن! إنه التحرش الجنسي، وأقصد به تلك التصرفات غير اللائقة ذات الطبيعة الجنسية التي تضايق المرأة وتعطيها الإحساس بعدم الأمان، مثل الغزل الصريح، والقذف العلني بكلمات جارحة، واللمس والاحتكاك البدني، وطلب المعاشرة الجنسية بشكل غير مباشر. وعلى الرغم من خطورة هذه المشكلة، فإن الدراسات في هذا المجال نادرة جداً، وقد أشارت إحدى هذه الدراسات إلى أن نحو 16 في المائة من النساء العاملات في السعودية تعرضن للتحرش الجنسي من قِبل المسؤولين في العمل، وهناك تقارير أخرى تشير إلى ارتفاع معدلات التحرش في السنوات الأخيرة! ومما يزيد الطين بلة أن نظام العمل الصادر بالمرسوم الملكي م/51 الصادر في عام 1426ه جاء خالياً من أي إشارة - مباشرة أو غير مباشرة - لقضية التحرش الجنسي بالمرأة العاملة! فقد عالج موضوع إجازات الوضع والحضانة، ولكنه تجاهل التحرش الجنسي والابتزاز والمضايقات في أماكن العمل بشكل كامل! وتزداد خطورة هذا الموضوع إذا علمنا أن بعض الجهات الأمنية لا تتفاعل مع المرأة التي تقع ضحية للتحرش الجنسي بالدرجة المطلوبة من الحساسية، فبعضها ترفض تسلم قضايا التحرش إلا بحضور محرم، مما يعقد الأمور ويعوق معاقبة مرتكبي التحرش. لا ينبغي التسويف أو التأجيل في قضية إنسانية تمس كرامة المرأة، هناك حاجة ماسة للتحرك لحماية المرأة، وهناك حاجة ملحة إلى نظام صارم يحمي المرأة من التحرش في أماكن العمل، لأن استغلال المنصب (أو النفوذ الوظيفي)، وكذلك استغلال حاجة المرأة للعمل أمر أصبح شائعاً في مجتمعنا، ومع الأسف يتضح أن بعض الأقسام النسائية المعزولة أصبحت أكثر خطراً على المرأة العاملة من أماكن العمل المكشوفة والمشتركة! إن المعالجة العاجلة تتطلب إعادة النظر في نظام العمل وربما إنشاء وحدة في مكاتب العمل تُعنى بمحاربة التحرش وابتزاز النساء العاملات، بل قد يتطلب الأمر هيئة مستقلة لحماية المرأة العاملة!